الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

استقرار المجتمع في عدالة الحكم


معاناة المجتمعات الإسلامية وأزماتها حالياً، والاضطرابات التي تعصف بها في مختلف الجوانب.. لها أسبابها الكثيرة على مستوى الفرد والجماعة. ومن أهم هذه الأسباب انحراف نظام الحكم عن مسار العدل والصلاح.
فكل مسؤول عن رعيته هو بمثابة القلب في مجتمعه الذي يديره، ورعيته هم أعضاء هذا المجتمع، فإذا فسد القلب فسدت كل الأعضاء.. وإذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص.. وإذا عقل واستقام عقلوا واستقاموا.
والظلم أسرع الطرق إلى الدمار والهلاك، سواء أكان ظلم المرء لنفسه أو لرعيته..
وبعد أن أرشدنا ديننا إلى طريق الحق والعدل والإصلاح مع النفس والناس نقل إلينا التاريخ الإسلامي حال من سبقونا، وانعكاس تعاملهم مع دينهم على واقع حياتهم ومجتمعاتهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وما يهمنا هنا هو أن حال المجتمعات الإسلامية السابقة ارتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسة ولاتها.. فكلما كانت سياسة الحاكم أو السلطان ملتزمة بشرع الله، وقائمة على إحقاق الحق وإصلاح الخلق كان المجتمع أكثر استقراراً ورخاءً وأمناً وقرباً من دينه.
وأبرز مثال على ذلك سيرة الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رحمه الله، الذي يضرب به المثل في العدل والصلاح.
وظهر أثر ذلك جلياً على المجتمع الإسلامي في زمانه، حيث لم يُعرف بعد ذلك في تاريخ الأمة الإسلامية استقرار ورخاء كالذي عرفه المسلمون في زمن هذا الخليفة العظيم.
ومن خلال هذا التقرير نحاول أن نربط بين سيرة هذا الخليفة وحال مجتمعه.. وبذلك يمكن مقارنة ذلك بحالنا اليوم لمعرفة مكامن الخلل ومواطن الزلل.
نبذة عن الخليفة
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد، أمير المؤمنين أبو حفص القرشي الأموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية.
كان من أئمة الاجتهاد ومن الخلفاء الراشدين، وكان حسن الأخلاق والخُلق، كامل العقل، حسن السمت، جيِّد السياسة حريصاً على العدل بكل ممكن، وافر العلم، فقيه النفس، طاهر الذكاء والفهم، أوّاها منيباً، قانتا لله حنيفاً، زاهداً مع الخلافة ناطقاً بالحق مع قلة المعين، وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملُّوهُ وكرهوا محاققته لهم، ونقصه أُعطياتهم، وأخذه كثيراً مما في أيديهم مما أخذوه بغير حقٍّ.
والده عبد العزيز بن مروان بن الحكم كان من خيار أمراء بني أمية، شجاعاً كريماً بقي أميراً لمصر أكثر من عشرين سنة، وكان من تمام ورعه وصلاحه أنه لما أراد الزواج قال لقيمه: اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي، فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح. فتزوج أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي حفيدة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب وقيل اسمها ليلى.
أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووالدها عاصم بن عمر بن الخطاب، الفقيه الشريف أبو عمرو القرشي العدوي، ولد في أيام النبوة وحدّث عن أبيه. وأمه هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّة. وكان طويلاً جسيماً وكان من نبلاء الرجال، ديِّنا، خيِّراً، صالحاً، وكان بليغاً، فصيحاً، شاعراً، وهو جد الخليفة عمر بن عبد العزيز لأُمه، مات سنة سبعين.
واختلف المؤرخون في سنة ولادته، والراجح – كما نقل الدكتور الصلابي - أنه ولد عام 61هـ، وهو قول أكثر المؤرخين، ولأنه يؤيد ما يذكر أنه توفي وعمره أربعون سنة. حيث توفي عام 101هـ.
وتذكر بعض المصادر أنه ولد بمصر وهذا القول ضعيف؛ لأن أباه عبد العزيز بن مروان بن الحكم إنما تولى مصر سنة خمس وستين للهجرة، بعد استيلاء مروان بن الحكم عليها من يد عامل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فولّى عليها ابنه عبد العزيز، ولم يعرف لعبد العزيز بن مروان إقامة بمصر قبل ذلك، وإنما كانت إقامته وبنو مروان في المدينة. وذكر الذهبي أنه ولد بالمدينة زمن يزيد.
وكان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يلقب بالأشج، وكان يقال له أشج بني مروان؛ وذلك أن عمر بن عبد العزيز عندما كان صغيراً دخل إلى اصطبل أبيه - عندما كان والياً على مصر - ليرى الخيل فضربه فرس في وجهه فشجه، فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد. ولما رأى أخوه الأصبغ الأثر قال: الله أكبر، هذا أشج بني مروان الذي يملك.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً.
وكان الفاروق قد رأى رؤيا تشير إلى ذلك وقد تكررت هذه الرؤيا لغير الفاروق حتى أصبح الأمر مشهوراً عند الناس بدليل ما قاله أبوه عندما رأى الدم في وجهه، وما قاله أخوه عندما رأى الشج في وجهه، كلاهما تفاءل لعله أن يكون ذلك الأشج الذي يملأ الأرض عدلاً.
نشأة عمر بن عبد العزيز
هناك عوامل وظروف ساهمت في بناء شخصية عمر بن عبد العزيز بناءً صالحاً، وقد استعرض الدكتور علي الصلابي هذه العوامل، يمكن تلخيصها – مع الاعتماد على مصادر تاريخية أخرى – على النحو التالي:
نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة، فلما شب وعقل وهو غلام صغير كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه منه، ثم يرجع إلى أمه فيقول: يا أمه أنا أحب أن أكون مثل خالي ـ يريد عبد الله بن عمر ـ فتؤفف به ثم تقول له: أغرب أنت تكون مثل خالك، وتكرر عليه ذلك غير مرة.
فلما كبر سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميراً عليها، ثم كتب إلى زوجته أم عاصم أن تقدم عليه وتقدم بولدها، فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته بكتاب زوجها عبد العزيز إليها فقال لها: يا ابنة أخي هو زوجك فالحقي به. فلما أرادت الخروج قال لها: خلفي هذا الغلام عندنا - يريد عمر - فإنه أشبهكم بنا أهل البيت فخلفته عنده ولم تخالفه.. وهكذا تربى عمر رحمه الله تعالى بين أخواله بالمدينة من أسرة عمر بن الخطاب، ولا شك أنه تأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة.
وقد رزق منذ صغره حب الإقبال على طلب العلم وحب المطالعة والمذاكرة بين العلماء كما كان يحرص على ملازمة مجالس العلم في المدينة. وكانت يومئذ منارة العلم والصلاح زاخرة بالعلماء والفقهاء والصالحين، وتاقت نفسه للعلم وهو صغير. وكان أول ما استبين من رشد عمر بن عبد العزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب.
وجمع عمر بن عبد العزيز القرآن وهو صغير وساعده على ذلك صفاء نفسه وقدرته الكبيرة على الحفظ وتفرغه الكامل لطلب العلم والحفظ.
ثم كان للبيئة الاجتماعية المحيطة دور فعال ومهم في نشأة شخصية عمر بن عبد العزيز، حيث عاش في زمن ساد فيه مجتمع التقوى والصلاح والإقبال على طلب العلم والعمل بالكتاب والسنة. فقد كان عدد من الصحابة لا زالوا بالمدينة.فقد حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحاً شرب منه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأمَّ بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحداً أشبه صلاةً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى.
فكان للإقامة بالمدينة آثار نفسية ومعان إيمانية، وتعلق روحي، وكان لذلك المجتمع قوة التأثير في صياغة شخصية عمر بن عبد العزيز العلمية والتربوية.
التربي على أيدي كبار علماء المدينة
اختار عبدُ العزيز صالحَ بن كيسان ليكون مربياً لولده عمر، فتولى صالح تأديبه.وكان يلزم عمر الصلوات المفروضة في المسجد، فحدث يوماً أن تأخر عمر بن عبد العزيز عن الصلاة مع الجماعة فقال صالح بن كيسان: ما يشغلك؟، قال: كانت مرجّلتي تسكن شعري. فقال: بلغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟. فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك. فبعث أبوه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه.
وحرص على التشبه بصلاة رسول الله أشد الحرص، فكان يتم الركوع والسجود ويخفِّف القيام، والقعود.. ولمّا حج أبوه ومرّ بالمدينة سأل صالح بن كيسان عن ابنه فقال: ما خبرت أحداً الله أعظم في صدره من هذا الغلام.
ومن شيوخ عمر بن عبد العزيز - الذين تأثر بهم -: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فقد كان عمر يجله كثيراً، ونهل من علمه وتأدب بأدبه وتردد عليه، حتى وهو أمير المدينة.
وكان عبيد الله مفتي المدينة في زمانه، وأحد الفقهاء السبعة، قال عنه الزهري: كان عبيد الله بن عبد الله بحراً من بحور العلم، وكان يقرض الشعر، فقد كتب إلى عمر بن عبد العزيز هذه الأبيات:
بســم الذي أنزلت من عنــده الســـور   والحمد لله أمّا بعــد يا عمـــر
إن كنت تعلـــم ما تأتـــي ومـــــــا تذر    فكن على حذر قد ينفع الحذر
واصبر على القدر المحتوم وأرض به    وإن أتاك بما لا تشتهي القدر
فما صفا لامـــرئ عيش يُــــسرٌّ بــــه   إلا سيتبع يوماً صفـــوه كـــدر
وقد توفي هذا العالم سنة 98هـ، وقيل 99هـ.
ومن شيوخ عمر سعيدُ بن المسيب، وكان سعيد لا يأتي أحداً من الأمراء غير عمر. ومن شيوخه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قال فيه سعيد بن المسيب: كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به وكان سالم أشبه ولد عبد الله به.
هذه هي أهم العوامل التي أثرت في تكوين شخصيته. ومن الدروس المستفادة هو أن العلماء الربانيين يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة، وهي الاهتمام بأولاد الأمراء والحكام وأهل الجاه والمال ففي صلاحهم خير عظيم للأمة الإسلامية
مكانته العلمية
كان من أئمة زمانه، فقد أطلق عليه كل من الإمامين مالك وسفيان بن عيينة وصف إمام. وقال فيه مجاهد: أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمَّنا منه. وقال ميمون بن مهران: كان عمر بن عبد العزيز معلمَّ العلماء. وقال فيه الذهبي: كان إماماً فقيهاً مجتهداً، عارفاً بالسنن، كبير الشأن، حافظاً، قانتاً لله أوَّاهاً منيباً يعد في حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمه عمر، وفي الزهد مع الحسن البصري، وفي العلم مع الزهري.
وقد احتج الفقهاء والعلماء بقوله وفعله، ومن ذلك رسالة الإمام الليث بن سعد إلى الإمام مالك بن أنس، وهي رسالة قصيرة، وفيها يحتج الليث - مراراً - بصحة قوله بقول عمر بن عبد العزيز على مالك فيما ذهب إليه في بعض مسائله.
ويرد ذكر عمر بن عبد العزيز في كتب الفقه للمذاهب الأربعة المتبوعة على سبيل الاحتجاج بمذهبه، فاستدل الحنفية بصنيعه في كثير من المسائل. وجعلوا له وصفاً وهو (عمر الصغير) ليتميَّز به عن جدّه لأمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ويكثر الشافعية من ذكره في كتبهم؛ ولذلك ترجم له الإمام النووي ترجمة حافلة في تهذيب الأسماء واللغات.
وأما المالكية فيكثرون من ذكره في كتبهم أكثر من غيرهم، ومالك إمام المذهب ذكر في (الموطأ) محتجاً بفتواه وقوله في مواضع عديدة في موطئه. وأما الحنابلة فكذلك يذكرونه كثيراً. وعمر هو الذي قال فيه الإمام أحمد: لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز
بعض سيرته
يعد عمر بن عبد العزيز من العلماء الذين تميزوا بقربهم من الخلفاء، وكان لهم أثر كبير في نصحهم وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة. ويحتل عمر بن عبد العزيز مكانة متميزة في البيت الأموي، فقد كان عبد الملك يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه؛ مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوجه من ابنته. ولكن لم يكن له مشاركات في عهد عبد الملك بسبب صغر سنه واشتغاله بطلب العلم في المدينة، ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد الملك كتاباً يذكره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. وقد جاء فيها: أما بعد: فإنك راعٍ، وكل مسؤول عن رعيته، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [كل راعٍ مسؤول عن رعيته]. }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا{.
وفي ربيع الأول من عام 87هـ ولاّه الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ؛ وبذلك صار والياً على الحجاز كلها.واشترط عمر لتوليه الإمارة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً، ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل ما يرفع للخليفة من الأموال من المدينة.
الشرط الثاني: أن يسمح له بالحج في أول سنة؛ لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج.
الشرط الثالث: أن يسمح له بالعطاء أن يخرجه للناس في المدينة.
فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينة وفرح الناس به فرحاً شديد.
وكان من أبرز الأعمال التي قام بها عمر بن عبد العزيز تكوينه لمجلس الشورى بالمدينة، فعند ما جاء الناس للسلام على الأمير الجديد بالمدينة دعا عشرة من فقهاء المدينة، وهم عروة ابن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة وخارجة بن زيد بن ثابت. فدخلوا عليه فجلسوا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عاملٍ لي ظلامة، فأحرّج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني.
وحدّد صلاحيات المجلس بأمرين:
- أنهم أصحاب الحق في تقرير الرأي، وأنه لا يقطع أمراً إلا برأيهم. وبذلك يكون الأمير قد تخلى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس.
- أنه جعلهم مفتشين على العمال، ورقباء على تصرفاتهم. فإذا ما اتصل بعلمهم أو بعلم أحدهم أن عاملاً ارتكب ظلامة، فعليهم أن يبلغوه وإلا فقد استعدى الله على كاتم الحق.
ويعلق الصلابي على هذا التدبير بأنه قد تضمن أمرين:
- أحدهما: أن الأمير عمر بن عبد العزيز لم يخصص تعويضاً لمجلس العشرة؛ لأنهم كانوا من أصحاب العطاء، وبما أنهم فقهاء، فما ندبهم إليه داخل في صلب اختصاصهم.
- الثاني: أن عمر افترض غياب أحدهم عن الحضور لعذر من الأعذار ولهذا لم يشترط في تدبيره حضورهم كلهم، وإنما قال: "أو برأي من حضر منكم.
إن هذا المجلس كان يستشار في جميع الأمور دون استثناء. ونستنتج من هذه القصة أهمية العلماء الربانيين وعلو مكانتهم، وأنه يجب على صاحب القرار أن يدنيهم ويقربهم منه ويشاورهم في أمور الرعية. كما أنه على العلماء أن يلتفوا حول الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن للمصالح وتقليل ما يمكن من المفاسد. كما أن عمر بن عبد العزيز لم يقتصر في شوراه على هؤلاء فحسب، بل كان يستشير غيرهم من علماء المدينة، كسعيد بن المسيِّب، والزهري، وغيرهم. وكان لا يقضي في قضاء حتى يسأل سعيد، وفي المدينة أظهر عمر عبد العزيز إجلاله للعلماء وإكباره لهم.
ومن مواقفه: كتب عمر بن عبد العزيز - وهو والٍ على المدينة - إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجّاج وغشمه، مما جعل الحجّاج يحاول الانتقام من عمر لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذاً للفارين من عسف الحجاج وظلمه.
حيث كتب الحجّاج إلى الوليد: إن من قبلي من مراق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن. فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسري، وعزل عمر عبد العزيز. وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجّاج واضحة وكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه.
لقد سلك عمر بن عبد العزيز بعض الطرق والوسائل لإصلاح هذا الوضع، فمن ذلك نصحه للوليد بالحد من صلاحيات عماله في القتل، وقد نجح في بادي الأمر في استصدار قرار يمنع أي والٍ من القتل إلا بعد علم الخليفة وموافقته على ذلك، فيذكر ابن عبد الحكم أن عمر بن عبد العزيز دخل على الوليد بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين إن عندي نصيحة، فإذا خلا لك عقلك، واجتمع فهمك فسلني عنها. قال: ما يمنعك منها الآن؟. قال: أنت أعلم، إذا اجتمع لك ما أقول فإنك أحق أن تفهم. فمكث أياماً، ثم قال: يا غلام من بالباب؟، فقيل له: ناس وفيهم عمر بن عبد العزيز. فقال: أدخله، فدخل عليه. فقال: نصيحتك يا أبا حفص، فقال عمر: إنه ليس بعد الشرك إثم أعظم عند الله من الدم، وأن عمالك يقتلون، ويكتبون إن ذنب فلان المقتول كذا وكذا، وأنت المسؤول عنه والمأخوذ به، فاكتب إليهم ألا يقتل أحد منهم أحداً حتى يكتب بذنبه ثم يشهد عليه، ثم تأمر بأمرك على أمر قد وضح لك. فقال: بارك الله فيك يا أبا حفص ومنع فقدك، عليَّ بكتاب. فكتب إلى أمراء الأمصار كلهم فلم يحرج من ذلك إلا الحجّاج فإنه أمضه، وشق عليه وأقلقه. وظن أنه لم يكتب إلى أحد غيره، فبحث عن ذلك، فقال: من أين ذهبنا؟، أو من أشار على أمير المؤمنين بهذا؟، فأخبر أن عمر بن عبد العزيز هو الذي فعل ذلك فقال: هيهات إن كان عمر فلا نقض لأمره. ثم أن الحجّاج أرسل إلى أعرابي حروري من الخوارج. قال له الحجّاج ما تقول في معاوية؟، فنال منه. قال: ما تقول في يزيد؟، فسبه. قال: فما تقول في عبد الملك؟، فظلمه. قال: فما تقول في الوليد؟، فقال: أجوَرَهم حين ولاك، وهو يعلم عداءك وظلمك. فسكت الحجّاج وافترصها منه، ثم بعث به إلى الوليد وكتب إليه: أنا أحوط لديني، وأرعى لما استرعيتني، وأحفظ له من أن أقتل أحداً لم يستوجب ذلك، وقد بعثت إليك ببعض من كنت أقتل على هذا الرأي فشأنك وإياه. فدخل الحروري على الوليد وعنده أشراف أهل الشام وعمر فيهم فقال له الوليد: ما تقول فيّ؟، قال ظالم جبار. قال: ما تقول في عبد الملك؟، قال: جبار عاتٍ. قال فما تقول في معاوية؟، قال: ظالم. قال الوليد لابن الريان اضرب عنقه فضرب عنقه. ثم قام فدخل منزله وخرج الناس من عنده فقال: يا غلام اردد عليّ عمر، فرده عليه فقال: يا أبا حفص ما تقول بهذا؟ أصبنا أم أخطأنا؟، فقال عمر: ما أصبت بقتله، ولغير ذلك كان أرشد وأصوب، كنت تسجنه حتى يراجع الله عز وجل أو تدركه منيته. فقال الوليد شتمني وشتم عبد الملك وهو حروري، أفتستحل ذلك؟، قال لعمري ما استحله، لو كنت سجنته إن بدا لك أو تعفو عنه، فقام الوليد مغضباً. فقال ابن الريان لعمر: يغفر الله لك يا أبا حفص، لقد راددت أمير المؤمنين حتى ظننت أنه سيأمرني بضرب عنقك، وهكذا احتال الحجّاج على الوليد ليصرفه على الأخذ برأي عمر في الحد من سرف الحجّاج وأمثاله في القتل
وفي عهد سليمان تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير، فظهرت آثاره في مختلف الجوانب، فبمجرد تولي سليمان الخلافة قرب عمر بن عبد العزيز وأفسح له المجال واسعاً، حيث قال: يا أبا حفص إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به.
وجعله وزيراً ومستشاراً ملازماً له في إقامته أو سفره، وكان سليمان يرى أنه محتاج له في صغيره وكبيره، فكان يقول: ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل فما أجد أحداً يفقه عني. وفي موضع آخر قال: يا أبا حفص ما اغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالي.
وكان لعمر أثر كبير على سليمان في إصدار عدد من القرارات النافعة، ومن أهمها:عزل ولاة الحجّاج وبعض الولاة الآخرين، كوالي مكة خالد القسري، ووالي المدينة عثمان بن حيان، ومنها الأمر بإقامة الصلاة في وقتها
الإشارة النبوية إلى خلافة عمر بن عبد العزيز
أفرد ابن كثير – في البداية والنهاية – فصلاً عن الإشارة النبوية إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.
ومن ذلك حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل بعد هذا الخير من شر، قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه، قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي يعرف منهم وينكر. فحمل البيهقي وغيره هذا (الخير الثاني) على أيام عمر بن عبد العزيز.
وروي عن الحاكم عن الأصم عن العباس بن الوليد بن مرثد عن أبيه قال: سئل الأوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله - صلى الله عليه و سلم - عن الشر الذي يكون بعد ذلك الخير، فقال الأوزاعي هي الردة التي كانت بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي مسألة حذيفة: فهل بعد ذلك الشر من خير؟، قال: نعم وفيه دخن. قال الأوزاعي: فالخير الجماعة، وفي ولاتهم من يعرف سيرته وفيهم من ينكر سيرته..
وروى أبو داود الطيالسي عن داود الواسطي عن حبيب بن سالم عن نعمان بن سالم عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إنكم في النبوة ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها لكم إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.
قال: فقدم عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد بن النعمان، فكتبت إليه أذكره الحديث، وكتبته إليه أقول: إني أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الخيرية. قال: فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسر به وأعجبه.
وقال نعيم بن حماد حدثنا روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده عمر وعثمان وعلي. فقال لي: ادن، فدنوت حتى قمت بين يديه، فرفع بصره إلي وقال: أما إنك ستلي أمر هذه الأمة وستعدل عليهم.
وفي حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، قال كثير من الأئمة إنه عمر بن عبد العزيز.
وروى نافع عن ابن عمر قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: إن من ولدي رجلاً بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلاً. قال نافع من قبله ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز.
قال ابن كثير: قلت: وقد ولي عمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفاً فملأ الأرض عدلاً وفاض المال حتى كان الرجل يهمه لمن يعطي صدقته.
خلافة عمر بن عبد العزيز سنة 99هـ
قال ابن سيرين: يرحم الله سليمان افتتح خلافته بإحياء الصلاة، واختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز، وكانت سنة وفاته سنة 99هـ.
ويروي ابن الأثير في تاريخه سبب استخلاف عمر بن عبد العزيز؛ "وذلك أن سليمان بن عبد الملك لما كان بدابق مرض.. فلما ثقُل عهد في كتاب كتبه لبعض بنيه، وهو غلام لم يبلغ. فقال له رجاء بن حيوة: ما تصنع يا أمير المؤمنين؟، إنه مما يحفظ الخليفة في قبره أن يستخلف على الناس الرجل الصالح. فقال سليمان: أنا أستخير الله وأنظر. ولم أعزم.
فمكث سليمان يوماً أو يومين ثم خرقه ودعا رجاء، فقال: ما ترى في ولدي دواد؟، قال رجاء: رأيك. قال: فكيف ترى في عمر بن العزيز؟، قال رجاء: فقلت: أعلمه والله خيراً فاضلاً سليماً. قال سليمان: هو على ذلك ولئن وليته ولم أول أحداً سواه لتكونن فتنة ولا يتركونه أبداً يلي عليهم إلا أن يجعل أحدهم بعده. وكان عبد الملك قد عهد إلى الوليد وسليمان أن يجعلا أخاهما يزيد ولي عهد، فأمر سليمان أن يجعل يزيد بن عبد الملك بعد عمر، وكان يزيد غائباً في الموسم. قال رجاء: قلت رأيك. فتكب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني قد وليتك الخلافة بعدي ومن بعدك يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم. وختم الكتاب.
وأرسل إلى كعب بن جابر العبسي صاحب شرطته فقال: ادع أهل بيتي. فجمعهم كعب. ثم قال سليمان لرجاء بعد اجتماعهم: اذهب بكتابي إليهم و أخبرهم بكتابي ومرهم فيبايعوا من وليت فيه.
ففعل رجاء، فقالوا: ندخل ونسلم على أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فدخلوا، فقال لهم سليمان: في هذا الكتاب، وهو يشير إلى الكتاب الذي في يد رجاء بن حيوة، عهدي فاسمعوا وأطيعوا لمن سيمت فيه. فبايعوه رجلاً رجلاً وتفرقوا.
وقال رجاء: فأتاني عمر بن عبد العزيز فقال: أخشى أن يكون هذا أسند إلي شيئاً من هذا الأمر، فأنشدك الله وحرمتي ومودتي إلا أعلمتني إن كان ذلك حتى أستعفيه الآن قبل أن تأتي حال لا أقدر فيها على ذلك. قال رجاء: ما أنا بمخبرك حرفاً قال: فذهب عمر عني غضبان.
قال رجاء: ولقيني هشام بن عبد الملك فقال: إن لي بك حرمةً ومودةً قديمةً، وعندي شكر فأعلمني بهذا الأمر، فإن كان إلى غيري تكلمت والله علي أن لا أذكر شيئاً من ذلك أبداً. قال رجاء: فأبيت أن أخبره حرفاً، فانصرف هشام وهو يضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو يقول: فإلى من إذاً نحيت عني؟ أتخرج من بني عبد الملك؟ قال رجاء: ودخلت على سليمان فإذا هو يموت، فجعلت إذا أخذته سكرة من سكرات الموت حرفته إلى القبلة فيقول حين يفيق: لم يأن بعد. ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً، فلما كانت الثالثة قال: من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئاً، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فحرفته، فمات، فلما غمضته وسجيته وأغلقت الباب أرسلت إلي زوجته فقالت: كيف أصبح؟، فقلت: هو نائم قد تغطى. ونظر إليه الرسول متغطياً فرجع فأخبرها، فظنت أنه نائم، قال: فأجلست على الباب من أثق به وأوصيته أن لا يبرح ولا يترك أحداً يدخل على الخليفة.
قال: فخرجت فأرسلت إلى كعب بن جابر فجمع أهل بيت سليمان، فاجتمعوا في مسجد دابق، فقلت: بايعوا. فقالوا قد بايعنا مرة. قلت: وأخرى، هذا عهد أمير المؤمنين. فبايعوا الثانية، فلما بايعوا بعد موته رأيت أني قد أحكمت الأمر فقلت: قوموا إلى صاحبكم فقد مات. قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. وقرأت الكتاب، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز قال هشام: لا نبايعه والله أبداً. قلت: أضرب والله عنقك، قم فبايع، فقام يجر رجليه. قال رجاء: فأخذت بضبعي عمر بن عبد العزيز فأجلسته على المنبر وهو يسترجع لما وقع فيه، وهشام يسترجع لما أخطأه. فبايعوه.
وغسل سليمان وكفن وصلى عليه عمر بن عبد العزيز ودفن. فلما دفن أُتِيَ عمر بمراكب الخلافة ولكل دابة سائس. فقال: ما هذا؟، فقيل: مراكب الخلافة. قال: دابتي أوفق لي، وركب دابته وصرفت تلك الدواب، ثم أقبل سائراً، فقيل له: أمنزل الخلافة؟، فقال: فيه عيال أبي أيوب، يعني سليمان، وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا. فأقام في منزله حتى فرغوه.
قال رجاء: فأعجبني ما صنع في الدواب ومنزل سليمان، ثم دعا كاتباً فأملى عليه كتاباً واحداً وأمره أن ينسخه ويسيره إلى كل بلد.
وبلغ عبد العزيز بن الوليد، وكان غائباً، عن موت سليمان، ولم يعلم ببيعة عمر، فعقد لواء ودعا إلى نفسه، فبلغه بيعة عمر بعهد سليمان وأقبل حتى دخل عليه. فقال له عمر: بلغني أنك بايعت من قبلك وأردت دخول دمشق. فقال: قد كان ذاك وذلك أنه بلغني أن سليمان لم يكن عهد لأحد فخفت على الأموال أن تنهب. فقال عمر: لو بايعت وقمت بالأمر لم أنازعك فيه ولقعدت في بيتي. فقال عبد العزيز: ما أحب أنه ولي هذا الأمر غيرك، وبايعه، وكان يرجى لسليمان بتوليته عمر بن عبد العزيز وترك ولده.
فلما استقرت البيعة لعمر بن عبد العزيز قال لامرأته فاطمة بنت عبد الملك: إن أردت صحبتي فردي ما معك من مال وحلي وجوهر إلى بيت مال المسلمين فإنه لهم، فإني لا أجتمع أنا وأنت وهو في بيت واحد. فرددته جميعه.
فلما توفي عمر وولي أخوها يزيد رده عليها وقال: أنا أعلم أن عمر ظلمك. قالت: كلا والله. وامتنعت من أخذه وقالت: ما كنت أطيعه حياً وأعصيه ميتاً. فأخذه يزيد وفرقه على أهله.
صعد عمر المنبر، وقال في أول لقاء مع الأمة بعد استخلافه: أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين. وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم. فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك فولّ أمرنا باليُمن والبركة.
ولما أدرك أن الأمر لا بد منه بدأ في طرح منهجه وسياسته، فقال: أما بعد فإنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب. ألا إن ما أحل الله حلال إلى يوم القيامة. ألا إني لست بقاض، ولكني منفذ. ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع. ألا إنه ليس لأحد أن يطاع في معصية الله. ألا إني لست بخيركم، ولكني رجل منكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً. أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس، وإلا فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه، ولا يغتابن عندنا الرعية، ولا يعترض فيما لا يعنيه. أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله عز وجل خلف. واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر ديناه. وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم. وأكثروا من ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللذات. وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها صلى الله عليه وسلم، ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم. وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً، ولا أمنع أحداً حقاً.
ثم رفع صوته حتى أسمع الناس فقال: يا أيها الناس، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له. أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. وإن من حولكم من الأمصار والمدن فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا وليكم، وإن هم نقموا فلست لكم بوال. ثم نزل.
وهكذا عقدت الخلافة لعمر بن عبد العزيز في ذلك اليوم (الجمعة لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين).
ويظهر من هذه الخطبة:
- التزامه بالكتاب والسنة، وأنه غير مستعد للاستماع إلى أي جدل في مسائل الشرع والدين، على أساس أنه حاكم منفذ، وأن الشرع بيّن من حيث تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرم الله، ورفضه للبدعة والآراء المحدثة.
- حدد لمن يريد أن يتصل به ويعمل معه من رعيته أن يكون اتصاله معه لخمسة أسباب ذكرها في الخطبة.
لقد كان يدرك مدى تأثير البطانة والمقربين من الحاكم على الحاكم وعلى الرعية، وعلى أسلوب الحكم؛ فآثر أن ينبه الناس حتى يتركوه يحكم بما ارتضى في نطاق شرع الله، دون أن يبعدهم نهائياً؛ لأنه أجاز لهؤلاء المقربين أن يدلوه على الخير ويعينوه عليه، وأن ينقلوا إليه حاجة المحتاج.
- حذر الناس من عواقب الدنيا لو أساؤوا فيها، وطلب إليهم أن يصلحوا سرائرهم ويحذروا الموت، ويتعظوا به.
- قطع على نفسه عهداً بأن لا يعطي أحداً باطلاً، ولا يمنع أحداً حقاً، وأنه أعطاهم حقاً عليه، وهو أن يطيعوه ما أطاع الله، وأنه لا طاعة له عليهم إذا عصاه سبحانه وتعالى. هذه هي الخطوط العريضة لسياسة عمر، ذكرها في أول لقاء له مع الرعية وأهل الحل والعقد في المسجد، بعد بيعته. فدولته قد حدّدها بالسير على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد آثر أن لا يدع لأي عامل من عماله حجة عليه بعد ذلك، ففصّل ما أجمل في خطبته الأولى في كتب أرسلها إلى عماله. وقد كانت هذه الكتب نوعين:
- كتب إلى العمال يبصرهم بما يجب عليهم أن يلتزموا به في مسلكهم الشخصي والخاص.
وكتب إلى عماله يحدد سياستهم وطريقة تعاملهم مع أفراد الرعية من المسلمين، وغير المسلمين، ممن كانوا يسكنون دار الإسلام.
العدل أساس الحكم
التزم أمير المؤمنين عمر بمبدأ العدل على أتم وجه، وكان يرى أن المسؤوليةوالسلطة في نظر عمر هي القيام بحقوق الناس والخضوع لشروط بيعتهم، وتحقيق مصلحتهم المشروعة، فالخليفة أجير عند الأمة، وعليه أن ينفذ مطالبها العادلة حسب شروط البيعة.
كتب إلى الحسن البصري يسأله في ذلك فأجابه الحسن: الإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً، يكتب لهم في حياته ويدخرهم بعد مماته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البّرة الرفيقة بولدها، حملته كرهاً ووضعته كرهاً وربته طفلاً، تسهر بسهره وتسكن بسكونه. ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصيّ اليتامى، وخازن المساكين يربي صغيرهم. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده؛ يسمع كلام الله ويُسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين - فيما ملَّكك الله  -كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدَّد وشرَّد العيال، فأفقر أهله وفرَّق ماله.
وبدأ عمر بنفسه فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع، فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم فقال: هذا مما كان الوليد بن عبد الملك أعطانيه مما جاءه من أرض المغرب فخرج منه. وكان ذلك لإصراره على قطع كل شك بيقين، وحتى يطمئن إلى أن ما في يده لا شبهة فيه لظلم أو مظلمة حتى ولو كان ورثه، خصوصاً وأن القصص والحكايات كانت كثيرة يتناقلها الناس عن مظالم ارتكبت على عهد خلفاء بني أمية، وعمالهم. وقد بلغ به حرصه على التثبت أنه نزع حلي سيفه من الفضة، وحلاه بالحديد. قال عبد العزيز بن عمر: كان سيف أبي محلى بفضة فنزعها وحلاه حديداً.
وبعد أن انتهى من رد كل مال شك بأنه ليس له فيه حق اتجه إلى زوجته فاطمة بنت عبد الملك - وكان لها جوهر - فقال لها عمر: من أين صار هذا المال إليك؟، قالت: أعطانيه أمير المؤمنين. قال: إما أن ترديه إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت.
وقد أوضح عمر لها سبب كرهه له بقوله: قد علمت حال هذا الجوهر وما صنع فيه أبوك، ومن أصابه، فهل لك أن أجعله في تابوت ثم أطبع عليه وأجعله في أقصى بيت مال المسلمين وأنفق ما دونه، وإن خلصت إليه أنفقته، وإن مت قبل ذلك فلعمري ليردنه إليك. قالت له: أفعل ما شئت.
ثم تحول إلى بني عمومته وإخوته من أفراد البيت الأموي. وفور فراغه من دفن ابن عمه سليمان بن عبد الملك رأى ما أذهله، وهو أن أبناء عمه من الأمويين أدخلوا الكثير من مظاهر السلطان التي لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو خلفائه الراشدين. فأنفقوا الكثير من المال من أجل الظهور بمظاهر العظمة والأبهة أمام رعيتهم.
فأمر مولاه مزاحماً فور تقديم هذه الزينة له ببيعها، وضم ثمنها إلى بيت مال المسلمين.
ثم اتجه إلى أبناء البيت الأموي فجمعهم وطلب إليهم أن يخرجوا مما بأيدهم من أموال وإقطاعات أخذوها بغير حق.. وشهدت الأيام الأولى من خلافة عمر تجريداً واسعاً النطاق لكثير من أموال وأملاك بني أمية، ظلت تنمو في الماضي وتتضخم لكونهم العائلة الحاكمة ليس إلا..
ولم تمض سوى أيام معدودات حتى يجد بنو أمية أنفسهم مجردين إلا من حقهم الطبيعي المشروع، فيضجون ضد سياسة عمر هذه ويعلنون معارضتهم الصارمة لها، فيقول لهم عمر: والله لوددت أن ألا تبقى في الأرض مظلمة إلا ورددتها على شرط ألا أرد مظلمة إلا سقط لها عضو من أعضائي أجد ألمه ثم يعود كما كان حياً. فإذا لم يبق مظلمة إلا رددتها سألت نفسي عندها.
ولم يقف عمر عند حد استرداد الأموال من بني أمية وردها إلى بيت المال، بل يخطو خطوة أخرى ويعلن لأبناء الأمة الإسلامية أن كل من له حق على أمير أو جماعة من بني أمية أو لحقته منهم مظلمة، فليتقدم بالبينة لكي يرد عليه حقه.. وتقدم عدد من الناس بظلامتهم وبيّناتهم، وراح عمر يردها واحدة بعد الأخرى.
وذات يوم بعث إليه واليه على البصرة برجل اغتصب أرضه فرد عمر هذه الأرض إليه ثم قال له: كم أنفقت في مجيئك إلي؟، قال: يا أمير المؤمنين تسألني عن نفقتي، وأنت قد رددت علي أرضي وهي خير من مائة ألف؟. فأجابه عمر: إنما رددت عليك حقك. ثم ما لبث أن أمر له بستين درهماً كتعويض له عن نفقات سفره.
وما زال عمر بن عبد العزيز يردّ المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات.. وذات يوم قدم عليه نفر من المسلمين وخاصموا روح بن الوليد بن عبد الملك في حوانيت قد قامت لهم البينة عليه. فأمر عمر روحاً برد الحوانيت إليهم، ولم يلتفت لسجل الوليد، فقام روح فتوعدهم، فرجع رجل منهم وأخبر عمر بذلك، فأمر عمر صاحب حرسه أن يتبع روحاً فإن لم يرد الحوانيت إلى أصحابها فليضرب عنقه، فخاف روح على نفسه وردّ إليهم حوانيتهم.
عزله جميع الولاة والحكام الظالمين
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة عمد إلى جميع الولاة والحكام المسؤولين الظالمين فعزلهم عن مناصبهم، ومنهم خالد بن الريان، وصاحب حرس سليمان بن عبد الملك الذي كان يضرب كل عنق أمره سليمان بضربها. وعين محله عمرو بن مهاجر الأنصاري، فقال عمر بن عبد العزيز: يا خالد ضع هذا السيف عنك، اللهم إني قد وضعت لك خالد بن الريان، اللهم لا ترفعه أبداً. ثم قال لعمرو بن مهاجر: والله إنك لتعلم يا عمرو إنه ما بيني وبينك قرابة إلا قربة الإسلام، ولكني سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك حسن الصلاة. خذ هذا السيف قد وليتك حرسي. وهكذا يعزل عمر الظالمين وهذا أسلوبه في اختيار الولاة والقضاة والكتاب وغيرهم، إنه يبحث عن أصلح الناس ديناً وأمانة.
ولما انتقد أحد ولاته الذين اختارهم نكت بين عينيه بالخيزرانة في سجدته وقال: هذه غرتني منك، يقصد أثر السجود في وجهه.. وعمر لا يكتفي بمظهر الرجل ولكنه يختبره أيضاً. قد رأى رجلاً كثير الصلاة، وأراد أن يمتحنه ليوليه، فأرسل إليه رجلاً من خاصته فقال: يا فلان إنك تعلم مقامي عند أمير المؤمنين فمالي لو جعلته يوليك على أحد البلدان؟، فقال الرجل: لك عطاء سنة. فرجع الرجل إلى عمر، وأخبره بما كان من هذا الرجل، فتركه.
معاملته لأهل الذمة
زاد عبد الملك في عهده الجزية على أهل قبرص وكان معاوية بن أبي سفيان غزا قبرص بنفسه وصالحهم صلحاً دائماً على سبعة آلاف دينار وعلى النصيحة للمسلمين، وإنذارهم عدوهم من الروم. ولم يزل أهل قبرص على صلح معاوية حتى ولي عبد الملك بن مروان، فزاد عليهم ألف دينار، فجرى ذلك إلى عهد عمر بن عبد العزيز فحطها عنهم.
 كما أصابت الزيادة أهل الذمة في العراق، وقد وضعها عنهم عمر بن عبد العزيز كسياسة عامة التزم بها في أن يرفع المظالم عن أهل الذمة حتى يدعهم ينعمون بحياتهم في ظل الشرائع الإسلامية السمحة. وقد جاء في كتابه إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة: أما بعد، فإن الله سبحانه إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتياً، وخسراناً مبيناً، فضع الجزية على من أطاق حملها، وخل بينهم وبين عمارة الأرض، فإن في ذلك صلاحاً لمعاش المسلمين، وقوة على عدوهم. وانظر من قبلك من أهل الذمة ممن قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه. فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق. وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال: ما أنصفناك، إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك. قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.
كما بلغت سياسة عمر بن عبد العزيز في وضع المظالم عن الناس ومساعدتهم أيضاً حين كتب إلى عامله على الكوفة يقول: انظر من كانت عليه جزية فضعُفَ عن أرضه فأسلفه ما يقوي به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين. وقد أمر عمر ولاته بالأخذ بالرحمة والرأفة بالناس، فقد منع تعذيب أهل البصرة وغيرهم لاستخراج الخراج منهم، وعندما أرسل إليه عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: إن أناساً قبلنا لا يؤدون ما عليهم من الخراج حتى يمسهم شيء من العذاب فكتب إليه عمر: أما بعد، فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر كأني جنة لك من عذاب الله، وكأن رضاي ينجيك من سخط الله، وإذا أتاك كتابي هذا فمن أعطاك فاقبله عفواً وإلا فأحلفه، فوالله لأن يلقوا الله بخياناتهم أحب إلى من أن ألقاه بعذابهم. والسلام.
مفهوم الحريات عند عمر بن عبد العزيز
اهتم عمر بكافة صور الحرية الإنسانية، فجاء مستعرضاً لأنواع وصور الحرية، فأقر ما كان فيها موافقاً لتعاليم الإسلام، وأعاد ما لم يكن كذلك إلى دائرة التعاليم الإسلامية.
ومن ذلك سياسته حيال النصارى واليهود كانت تلتزم بالوفاء بالعهود والمواثيق وإقامة العدل معهم ورفع الظلم وعدم التضييق عليهم في معتقدهم ودينهم انطلاقاً من قوله تعالى: }لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{ (البقرة، الآية: 256). وكان عمر ينهج أسلوب الدعوة مع ملوك الهند، والقبائل الخارجة عن الإسلام.
وأما حرية الفكر من حيث الرأي والتعبير، فقد أخذت نطاقاً واسعاً في إدارة الدولة، وقيادته لعماله ورعيته، فقد أتاح لكل متظلم أن يشكو من ظلمه وأطلق للكلمة حريتها، وترك للناس حرية أن يقول كلٌ ما يريد. وقد عبر عن هذا القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق بقوله: اليوم ينطق كل من كان لا ينطق، إذا لم يخالف الشرع.
كما أعلن عمر استئناف الحرّية السياسية التي منحها الإسلام للمسلمين إذ لإطاعة لا مخلوق في معصية الخالق، حتى وإن كان حاكما أو والياً. فقد أعلن عمر في أول يوم من أيام حكمه الحرية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الإسلام لا يرضى السكوت عن الظلم. فقد خطب في الناس يوماً فقال: ألا لا سلامة لامرئ في خلاف السنة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله، ألا وإنكم تسمون الهارب من ظلم إمامه: العاصي، ألا وإن أولاهما بالمعصية الإمام الظالم.
ومما يدل على إعطاء عمر للناس الحرية السياسية أن أول إجراء اتخذه عقب إعلان العهد له بالخلافة تنازله في الخلافة، وطلب من الناس أن يختاروا خليفة، فإذا كانت الحرية السياسية تتجلى في ممارستها في موضعين: أولهما المشاركة في اختيار الحاكم عن طريق أهل الحل والعقد، وبيعة المسلمين ورضاهم. وثانيهما: إبداء الرأي والنصح للحكام، ونقد أعمالهم بمقاييس الإسلام فإن عمر قد مارس الحرية السياسية في هذين الموضعين فجعل لهم الخيار في توليه الخلافة قبل الوعظ والنصح.
أهم صفاته ومعالم تجديده
بما أودع الله فيه من الصفات الربانية استطاع عمر أن يقوم بمشروعه الإصلاحي ويجدد كثيراً من معالم الخلافة الراشدة التي اندثرت أمام زحف الملك العضوض. واستطاع أن يتغلب على العوائق في الطريق، وتوجت جهوده بنتائج كبيرة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة. وأصبح منهج عمر بن عبد العزيز الإصلاحي التجديدي مناراً للعاملين على مجد الإسلام.
ومن صفاته شدة خوفه من الله تعالى: يقول عمر في كتاب له إلى يزيد بن المهلب: لو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج، واعتقال أموال، كان في الذي أعطاني من ذلك ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه. ولكنِّي أخاف - فيما ابتليت به  - حساباً شديداً، ومسألة عظيمة، إلا ما عافى الله ورحم.
وتقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك: والله ما كان بأكثر الناس صلاة، ولا أكثرهم صياماً، ولكن والله ما رأيت أحداً أخوف لله من عمر، لقد كان يذكر الله في فراشه، فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول: ليصبحَنَّ الناس ولا خليفة لهم.
وقال مكحوللو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز. ولشدة خوفه من الله، كان غزير الدمع وسريعه، فقد دخل عليه رجل وبين يديه كانون فيه نار، فقال: عظني. قال: يا أمير المؤمنين ما ينفعك من دخل الجنة، إذا دخلت أنت النار، وما يضرّك من دخل النار، إذا دخلت أنت الجنة، قال: فبكى عمر حتى طفئ الكانون الذي بين يديه من دموعه.
زهده: فهم عمر بن عبد العزيز من خلال معايشته للقرآن الكريم ودراسته لهدي النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرّر من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها وخضع وانقاد وأسلم لربه ظاهراً وباطناً.
قال مالك بن دينار: الناس يقولون: مالك بن دينار زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها.وعن سالم بن زياد: كان عمر ينفق على أهله في غدائه وعشائه كل يوم درهمين. وكان لا يلبس من الثياب إلا الخشن، وترك مظاهر البذخ والإسراف التي سادت قبله وأمر ببيعها وأدخل أثمانها في بيت مال المسلمين.
تواضعه: مما يذكر من تواضع عمر جوابه لرجل ناداه: يا خليفة الله في الأرض، فقال له عمر: مه: إني لما ولدت أختار لي أهلي اسماً فسموني عمر، فلو ناديتني: يا عمر، أجبتك. فلما اخترت لنفسي الكُنى فكنيت بأبي حفص، فلو ناديتني يا أبا حفص أجبتك. فلما وليتموني أموركم سميتموني: أمير المؤمنين، فلو ناديتني يا أمير المؤمنين أجبتك. وأما خليفة الله في الأرض فلست كذلك، ولكن خلفاء الله في الأرض داوود والنبي - صلى الله عليه وسلم – وشبهه، مشيراً إلى قوله تعالى:}يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ{ (ص: آية :36).
ومن تواضعه أن نهى الناس عن القيام له، فقال: يا معشر الناس: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، فإنما يقوم الناس لرب العالمين. وكان يقول للحرس: لا تبتدئوني بالسلام، إنما السلام علينا لكم.
وكان عنده قوم ذات ليلة في بعض ما يحتاج إليه، فغشى سراجه، فقام إليه فأصلحه، فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نكفيك؟، قال: وما ضرني؟، قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
ومن تواضعه أيضاً قال يوماً لجارية له:يا جارية روّحيني قال: فأخذت المروحة فأقبلت تروحه، فغلبتها عينها فنامت، فانتبه عمر، فإذا هو بالجارية قد احمّر وجهها، وقد عرقت عرقاً شديداً وهي نائمة، فأخذ المروحة وأقبل يروحها. فانتبهت، فوضعت يدها على رأسها فصاحت. فقال لها عمر: إنما أنت بشر مثلي أصابك من الحر ما أصابني، فأحببت أن أروحك مثل الذي روحتني.
حلمه وصفحه: كان لعمر بن عبد العزيز ابن له من فاطمة، فخرج يلعب مع الغلمان فشجه غلام، فاحتملوا ابن عمر والذي شجه فأدخلوهما على فاطمة، فسمع عمر الجلبة، وهو في بيت آخر فخرج، وجاءت امرأة فقالت: هذا ابني وهو يتيم، قال: أله عطاء؟، قالت: لا. قال: فاكتبوا في الذرية. فقالت فاطمة: فعل الله به إن لم يشجه مرة أخرى، فقال عمر: إنكم أفزعتموه.
وعن إبراهيم بن أبي عبلة قال: غضب عمر بن عبد العزيز يوماً غضباً شديداً على رجل، فأمر به فأحضر وجرِّد وشُدَّ في الحبال وجيء بالسياط، فقال: خلُّوا سبيله، ثم قال: أما أني لولا أن أكون غضباناً لسُؤْتُك، وتلا: [وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ] (آل عمران، الآية: 134).
وروي أن رجلاً نال من عمر فلم يجبه. فقيل له: ما يمنعك منه؟، قال: التقيُّ مُلجم.
وعن حاتم بن قدامه أن رجلاً قام إلى عمر بن عبد العزيز وهو يخطب فقال له: أشهد أنك من الفاسقين، فقال له عمر: وما يدريك؟ وأنت شاهد زور فلا نجيز شهادتك.
وروي أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة خرج ليلة في السحر إلى المسجد ومعه حرسي فمرا برجل نائم على الطريق فعثر به عمر. فقال له: أمجنون أنت؟، فقال عمر: لا. فهمَّ الحرسي به. فقال له عمر: مه، فإنه سألني أمجنون أنت؟، فقلت: لا.
وروي أن رجلاً قام إلى عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر فنال منه وأغضبه، فقال له عمر يا هذا أردت أن يستفزني الشيطان مع عزة السلطان أن أفعل بك اليوم ما تفعل بي غداً مثله. اذهب، غفر الله لي ولك.
سياسته الداخلية
تعتبر سياسة عمر بن عبد العزيز الداخلية من أهم الجوانب في خلافته، فقد كان - رحمه الله - إدارياً ممتازاً، ولا عجب في ذلك فقد عركته تجربة الإدارة منذ أن كان والياً على المدينة. ثم تكاملت عناصر التجربة بعد أن أصبح من أقرب الناس إلى سليمان بن عبد الملك، يرقب الحوادث عن قرب، ويتمرس على شؤون الدولة وتسيير دفة الحكم فيها. وما أن تولى مقاليد الخلافة حتى ذهب يبذل كل جهده، ويُفني ما تبقى من عمره في إصلاح أمور الدولة، واستقرار الأمن والرخاء في ربوعها، وتحقيق العدالة والكفاية في كل أرجائها.. وسد أبواب الفتن والصراعات الداخلية.
كموقفه من سب خليفة رسول الله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد كان بنو أمية يسبون أمير المؤمنين إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، فترك ذلك وكتب إلى العمال في الآفاق بتركه، وقرأ عوضه: [إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى] (النحل:90 الآية). فحل هذا الفعل عند الناس محلاً حسناً، وأكثروا مدحه بسببه، فمن ذلك قوله كُثيّر عَزّة:
وليت فلم تشتم علياً ولـن تخـــف   برياً ولم تتبع مقالـــة مجــــرم
تكلمت بالحــــق المبيـــــن وإنمــا   تبين آيــــات الهـــــــدى بالتكلم
وصدقت معروف الذي قلت بالذي  فعلت فأضحى راضياً كل مسلم
ألا إنما يكفي الفتـــى بعـــد زيغــه   من الأود البادي ثقاف المقـوم
فقال عمر حين أنشده هذا الشعر: أفلحنا إذاً.
منهجه الإداري والاقتصادي
كان من أبرز معالم سياسته الداخلية الحرص على مال المسلمين، والمحافظة على الوقت والجهد، وسرعة التصرف في الأمور، وحسن اختيار القضاة والولاة والموظفين، وإزالة آثار كل عمل لا يساير روح الإسلام، وتحقيق التوازن بين الناس، ومجادلة الخارجين على الدولة بالحسنى لإقناعهم وردهم إلى حظيرة الجماعة، كما كان الطابع لهذا المنهج هو العدل والإنصاف والرحمة والإحسان.
كان عمر بن عبد العزيز يعرف قيمة المال والوقت، وهما من الأشياء التي يبددها المسلمون الآن فيما لا يفيد. ويعانون من جراء ذلك ما لا يخفى على أحد من التأخر والتخلف. ولكن عمر كان يعرف أن صيانة المال واحترام الوقت من أهم ما يحرص عليه الإسلام لترقي الأمة الإسلامية.
فعندما جاء إلى عمر كتابٌ من أبي بكر بن حزم - والي المدينة - يطلب ورقًا يكتب فيه أمور الولاية، كان رده عليه: "أَدِقَّ قلمك وقارِب بين أسطرك، فإني أكره أن أُخرج للمسلمين ما لا ينتنفعون به".
كما كتب إليه أيضاً: "أما بعد.. فإنك كتبت إلى سليمان كتباً لم ينظر فيها حتى قبض - رحمه الله - وقد بليت بجوابك. كتبت إلى سليمان تذكر أنه يقطع لعمال المدينة من بيت مال المسلمين، ثمن شمع كانوا يستضيئون به حين يخرجون إلى صلاة العشاء وصلاة الفجر. وتذكر أنه قد نفد الذي كان يستضاء به. وتسأل أن يقطع لك من ثمنه بمثل ما كان للعمال، وقد عهدتك وأنت تخرج من بيتك في الليلة المظلمة الماطرة الوحلة بغير سراج. ولَعَمْرِي لأنت يومئذٍ خيرٌ منك اليوم. والسلام".
فانظر إلى مدى بلغ حرصه على المال والوقت والجهد، وقد تبدو هذه الأمثلة بسيطة لبعض الناس، ولكنها عظيمة الدلالة على فهم المسلم لقيمة المال والوقت، وهما من مقومات الحياة.
ومن حرص عمر على الوقت أنه كان لا يعرف تأخير عمل اليوم إلى الغد، فيومه كله عمل. وعندما لاحظ عليه بعض أهله مظاهر الإرهاق من كثرة العمل تقدم إليه قائلاً: "يا أمير المؤمنين، لو ركبت - في نزهة – فَتَرَوَّحْتَ. أجابهم: فمن يجزي عني عمل ذلك اليوم؟، قال: تجزيه من الغد. أجاب عمر: فَدَحَني عمل اليوم، فكيف إذا اجتمع عليَّ عملُ يومين".
كما كان يعمل على سرعة تصريف الأمور، وكان يضيق بالعامل الذي لا يحسن التصرف أو ما نسميه اليوم بالبيروقراطي، الذي يحب أن يراجع رؤساءه في كل كبيرة وصغيرة. فقد كتب إلى عامله على المدينة: " أن قَسِّمْ في ولد علي بن أبي طالب عشرة آلاف دينار. فكتب إليه: إن عليًّا قد وُلِدَ له في عدة قبائل من قريش، ففي أي ولده؟، فكتب إليه: لو كتبت إليك في شاة تذبحها لكتبت إليَّ: أسوداء أم بيضاء؟. إذا أتاك كتابي هذا فاقسم في ولد علي من فاطمة - رضوان الله عليهم - عشرة آلاف دينار فطالما تخطتهم حقوقهم".
وكان عمر بن عبد العزيز غير راضٍ عن الأسلوب الذي يدير به بعض عمال بني أمية أمور الدولة، أو لا يتفق أسلوبهم الإداري مع نهج عمر، مثل يزيد بن المهلب وآله، الذين كان عمر يقول عنهم: هؤلاء جبابرة ولا أحب مثلهم. ولكن هؤلاء كانوا رجال سليمان بن عبد الملك فأبقى عليهم، فلما آلتِ الخلافة إلى عمر قرر أن يقصي كل عامل لا يرتاح إليه؛ فعزل يزيد بن المهلب وأمثاله، وانتقى أفضل وأصلح الرجال وولاهم الأعمال. ويبدو جليًّا من استعراض أسماء الولاة والقضاة، وسائر الموظفين الذين اختارهم عمر بن عبد العزيز، حرصه على الاعتماد على أكثر العناصر كفاءة وعلمًا وإيمانًا وقبولاً لدى جماهير المسلمين.
ولم يكن عمر يكتفي بحسن الاختيار بعد الابتلاء، بل كان يتابع عماله ويرسم لهم المنهج الذي ينبغي عليهم أن يطبقوه ليقيموا العدل بين الناس.
فقد كتب إلى عامله على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: "سلام عليك، أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله، وسنة خبيثة استنها عليهم عمال السوء، وإن قوام الدين العدل والإحسان، فلا يكونن شيء أهم إليك من نفسك فإنه لا قليل من الإثم، ولا تحمل خراباً على عامر، ولا عامراً على خراب. انظر الخراب فخذ منه ما أطاق، وأصلحه حتى يعمر. ولا يؤخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض، ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض. فاتبع في ذلك أمري، فإني قد وليتك من ذلك ما ولاني الله. ولا تعجل دوني بقطع ولا صَلْب، حتى تراجعني فيه، وانظر من أراد أن يحج من الذرية فعجِّل له مائة يحج به. والسلام".
ومن الآثار السيئة التي وجدها عمر وحرص على إزالتها بكل عزم وتصميم ظاهرة أخذ الجزية من الذين أسلموا حديثاً، فقد كان بعض عمال بني أمية لما أعوزهم المال بسبب الحروب والثورات، أبقوا الجزية على من كانوا يدخلون في الإسلام من أبناء البلاد المفتوحة. وزعموا أن إسلام هؤلاء لم يكن صادقاً، وأنّ إعفاءهم من الجزية قد أضرَّ ببيت المال. وابتدعوا بدعة اختبار من أسلموا بالختان. ولكن عمر حذرهم من ذلك.
فقد كتب إلى الجراح بن عبد الله الحكمي - والي خراسان -: "انظر من صلَّى قبلك إلى القبلة فضع عنه الجزية"؛ فسارع الناس إلى الإسلام. فقيل للجراح: إن الناس قد سارعوا إلى الإسلام نفوراً من الجزية، فامتحنهم بالختان. فكتب الجراح بذلك إلى عمر. فكتب عمر إليه: "إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه خاتناً".
وعزل الجراح عن خراسان وولى عبد الرحمن بن نعيم القشيري. ثم ولى على الخراج عقبة بن زرعة الطائي. وكتب إليه: "إن للسلطان أركاناً لا يثبت إلا بها، فالوالي ركن، والقاضي ركن، وصاحب المال ركن، والركن الرابع أنا. وليس ثغر من الثغور المسلمين أهم إليَّ، ولا أعظم عندي من ثغر خراسان؛ فاستوعب الخراج وأحرزه في غير ظلم. فإن يك كفافاً لأعطياتهم فسبيل ذلك، وإذًا فاكتب إليَّ حتى أحمل إليك الأموال فتوفر لهم أعطياتهم".
فالمال مهم، ولكن العدل أهم عند الخليفة عمر؛ لأن المال وجبايته عنده وسيلة، وليست غاية.
وقد استطاعت سياسته المالية القضاء على الفقر، وحققت التوازن بين الناس، حتى لم يعد هناك فقير يحتاج إلى الصدقة. فيروي الذهبي عن عبد الرحمن بن يزيد عن عمر بن أسيد قال: "والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون. فما يبرح حتى يرجع بماله كله؛ قد أغنى عمر الناس".
وقد كان لعمر أهداف في سياسته الاقتصادية، كلها تصب في خدمة الأمة، منها:
إعادة توزيع الدخل والثروة بشكل عادل: فقد سعى عمر بن عبد العزيز لإعادة توزيع الدخل والثروة بالشكل العادل، الذي يرضى الله تعالى ويحقق قيم الحق والعدل والظلم، والتي وضعها عمر نصب عينيه فقد كان يراقب الانحرافات السابقة قبل خلافته، ويلاحظ آثارها السلبية على نفوس الرعية. ولقد انتقد سياسة سليمان بن عبد الملك التوزيعية فقال له: لقد رأيتك زدت أهل الغنى وتركت أهل الفقر بفقرهم. فقد أدرك عمر بن عبد العزيز أن التفاوت الاجتماعي هو نتيجة لسوء توزيع الثروة، فرسم سياسته الجديدة لإنصاف الفقراء والمظلومين.
واستخدم عمر للوصول إلى هذا الهدف بعض الوسائل العملية، منها:
- منع الأمراء والكبراء من الاستئثار بثروة الأمة، ومصادرة الأملاك المغصوبة ظلماً، والتي استولى عليها الأمراء والكبراء، وإعادة هذه الأموال إلى أصحابها إذا عرفوا أو إلى بيت المال إذا لم يعرف أصحابها، أو كانت من الأموال العامة.
- زيادة الإنفاق على الفئات الفقيرة والمحرومة ورعايتها وتأمين مستوى الكفاية لها عن طريق الزكاة وموارد بيت المال الأخرى.
وعن الزهري قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب في الصدقات. فكتب إليه بالذي سأل، و كتب إليه: إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله في مثل زمانك ورجالك كنت عند الله خيراً من عمر.
ولقد كانت سياسة عمر التوزيعية تهدف على إيصال الناس إلى حد الكفاية: يلاحظ ذلك من خطبه، فقد خطب الناس يومياً فقال: "وددت أن أغنياء الناس اجتمعوا فردوا على فقرائهم؛ حتى نستوي نحن وهم، وأكون أنا أولهم". وفي خطبة أخرى: "ما أحد منكم تبلغني حاجته إلا حرصت أن أسدّ من حاجته ما قدرت عليه. وما أحد لا يسعه ما عندي إلا وددت أنه بُدِئ بي وبلحمتي الذين يلونني؛ حتى يستوي عيشنا وعيشكم".
- تحسين موارد الدولة وضبطها بالضابط الشرعي، ومن أهم هذه الموارد:
الزكاة
اهتم عمر بالزكاة وحرص عليها؛ لأنها حق فرضه الله للفقراء والمساكين والمنقطعين، والمستعبدين، ولا يجوز التهاون فيه، واهتمّ بتوزيعها على مستحقيها. فأمر ولاته بالبحث عنهم وإعطائهم حقهم وفي حالة عدم وجود فقراء أو مساكين أو محتاجين وأمر عمر بشراء رقاب المستعبدين وإعتقاهم من مال الزكاة. وعزم عمر على اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزكاة. وكان الولاة قبله قد تهاونوا فيها، فأخذوها من غير حقها، وصرفوها في غير مصارفها.
ومن مظاهر إتباعه للسنة فيها طلبه لكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقات، ولكتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمره بأن تنسخ هذه الكتب. فنسخت له وكانت تشتمل على صدقة الإبل والبقر والغنم، والذهب، والورق، والتمر، والحب، والزبيب وبيّنت الأنصبة لكل هذه الأصناف.
واتبع عمر السنة في مصارف الزكاة وفي جبايتها؛ فعين عمالاً ثقاة مؤتمنين وأمرهم بجبابتها دون ظلم أو تعدِّ، وأمرهم بكتابة براءة إلى الحول لدافعها.
وكانت لهذه الإصلاحات الاقتصادية في جباية الزكاة أثر على زيادتها ولقد ساهمت سياسته الاقتصادية إلى زيادة تحصيل الزكاة. فتوفيره لأجواء الأمن والطمأنينة، واهتمامه بإقامة المشاريع الأساسية للزراعة والتجارة، واتباعه لسياسة الحرية الاقتصادية المقيدّة، وإلغاؤه للضرائب الظالمة؛ أدّت جميعاً إلى ازدهار التجارة والزراعة وإلى زيادة حصيلة الزكاة.
الخراج
هو ما تأخذه الدولة من ضرائب على الأرض المفتوحة عنوة أو الأرض التي صالح أهلها عليها. لقد ارتفع إيراد الخراج في زمن عمر بن عبد العزيز وبلغ مائة وأربعة وعشرين مليون درهم. وكانت هذه الزيادة في إيراد الخراج نتيجة لسياسته الإصلاحية؛ فقد منع بيع الأرض الخراجية فحافظ على المصدر الرئيسي للإنتاج. كما اعتنى بالمزارعين، ورفع عنهم الضرائب والمظالم التي كانت تعوق إنتاجهم. واتبع سياسة الإصلاح والإعمار، وإحياء الأرض الموات. كما اهتم ببناء مشاريع البنية الأساسية للقطاع الزراعي فبنى الطرق والقنوات.
وهناك مصادر أخرى للدولة كان يهتم بها عمر كالجزية، والغنائم والفيء، والعشور، لا يتسع المقام هنا لذكرها.
ومن أهدافه تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي: حيث سعى عمر بن عبد العزيز - عن طريق العديد من الوسائل – إلى تحقيق هذا الهدف. فقد أوجد المناخ المناسب للتنمية عن طريق حفظ الأمن والقضاء على الفتن، ورد الحقوق لأصحابها؛ وبذلك باتت الرعية مطمئنة على حقوقها، آمنة في أوطانها. كذلك أمر ببناء المرافق العامة، التي تسمى اليوم بمشاريع البنية التحتية، ولا تقوم التنمية إلا بهذه المرافق الضرورية من أنهار وترع ومواصلات وطرق. وقد أكد عمر على مبدأ الحرية الاقتصادية المقيدة بضوابط الشريعة، فانتشر الناس في تجارتهم وتثمير أموالهم. واهتم كذلك اهتماماً بالغاً بالزراعة؛ حيث كان القطاع الزراعي من أكبر القطاعات على المستوى الفردي، وله مردود كبير على ميزانية الدولة. وقد جنى عمر والأمة كلها ثمرات هذه السياسة؛ فقد عمّ الرخاء البلاد والعباد.
تعامله مع المخالفين
لما كان عمر يعتبر نفسه مسؤولاً عن الأمة كلها، فليس هناك أحد أولى به من أحد، وفي ضوء هذا التصور نظر إلى الخوارج، الذين ناصبوا الدولة الأموية العداء منذ قيامها، ولم يكد صراعهم معها ينقطع، وأدرك عمر أن هؤلاء الناس قد يكونون طلاب آخرة، ولكنهم قد أخطأوا الطريق إليها؛ فجاهدوا في غير ميدانها، وبددوا طاقاتهم وطاقات الدولة في حروب داخلية لا طائل من ورائها. بل كانت لها آثارها السيئة عليهم وعلى الدولة. فرأى من واجبه أن يبصرهم بخطأ موقفهم فدعاهم إلى محاورته، فاستجابوا، وأرسل له زعيمهم شوذب الخارجي اثنين من أتباعه ليحاوراه. وبدأ عمر الحوار قال لهم: "إني قد علمت أنكم لم تخرجوا مخرجكم هذا لدنيا، ولكنكم أردتم الآخرة وأخطأتم طريقها. وإني سائلكم عن أمور فبالله لتصدقنني عنها".
وبدأ يسألهم وهم يجيبون، وظهرت حجته عليهم في جميع القضايا التي أثاروها إلا مسألة واحدة، وجد عمر نفسه عاجزاً عندها، وهي ولاية العهد ليزيد بن عبد الملك. فطلب منهم أن ينظروه ليفكر في الأمر، ورضي الرجلان بذلك، وقال له أحدهما: "ما سمعت كاليوم حُجَّةً أبين وأقرب مأخذاً من حجتك، أما أنا فأشهد أنك على الحق، وأنا بريء ممن برئ منك. وأقام عند عمر ورفض العودة إلى الخوارج. أما الآخر فسأله عمر: فأنت ما تقول؟، قال: ما أحسنَ ما قلتَ، وأبينَ ما وصفتَ، ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر حتى أعرض قولك عليهم فأنظر ما حُجَّتُهم".
ولكن بقيت هذه المسألة معلقة دون حلٍّ؛ لأن عمر لم يكن قادرًا على تنحية يزيد من ولاية العهد؛ خوفًا من الفتنة في بني أمية.
لقد كان لتعامل عمر مع الخوارج أثره فيهم حيث لم يثوروا عليه. ويعلق الدكتور راغب السرجاني على ذلك بأن هذا "يبين أن هؤلاء القوم كانوا على غير هدى من الله يحتاجون إلى علاج، ولعلهم بعد ما لحق بهم من ضربات كانوا على استعداد للاندماج في الأمة لو وجدوا بعد عمر من يواصل أسلوبه معهم، ولكن أني للخلافة مثل عمر".
منهجه في القضاء
يعتبر القضاء من أكثر وسائل نظام الحكم تأثيراً في حياة المجتمعات إيجاباً أو سلباً بحسب درجة قرب القضاء من العدل وبُعدِه.
فكلما كان نظام القضاء أكثر عدلاً كانت حياة الناس أكثر استقراراً  وأمناً.. والعكس صحيح.
وما تعانيه المجتمعات الإسلامية اليوم من مآسي وظلم وخوف وصراعات هو من تداعيات فساد الحكم وظلم القضاء.
وقد روى الإمام السيوطي عن حسن القصاب قوله: رأيت الذئاب ترعى مع الغنم بالبادية في خلافة عمر بن عبد العزيز فقلت: سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها. فقال الراعي: إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس.
وقال مالك بن دينار: لما ولي عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء: من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة؟، عدله كف الذئاب عن شائنا.
وقال موسى بن أعين: كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاة والذئب ترعى في مكان واحد. فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب للشاة، فقلت: ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك فحسبوه فوجدوه مات تلك الليلة.
وعن حبيب بن هند الأسلمي قال: قال لي سعيد بن المسيب: إنما الخلفاء ثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعمر بن عبد العزيز. قلت له: أبو بكر وعمر قد عرفناهما فمن عمر؟، قال: إن عشت أدركته وإن مت كان بعدك. قلت: ومات ابن المسيب قبل خلافة عمر.
وهذا ما نجد نقيضه عند مقارنة الوضع اليوم بالوضع في زمن عمر بن عبد العزيز الذي كان يدقق في اختيار القضاة حتى لا يُبتلى الناس بقاض يتخبط فيهم بغير حق، ويسري الظلم بين الناس.
ولهذا فقد اشترط عمر في القاضي خمسة شروط ولا يجوز له أن يلي القضاء حتى تكتمل فيه هذه الشروط، وهي: العلم، والحلم، والعفة، والاستشارة، والقوة في الحق.
فعن يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز قال: "لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضياً حتى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الرأي، لا يبالي ملامة الناس".
وقد قال بهذا المعنى عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -، وذهب الأئمة الأربعة إلى موافقة عمر بن عبد العزيز في كل أو جل هذه الصفات.
وقرر عمر بن عبد العزيز قراراً هو درس في القضاء يجب أن يعمل به إلى يوم القيامة، ذلك أنه يرى أن القاضي إن تبين له الحق حكم به، وإن لم يظهر له فلا يترك القضية، وإنما يرفعها إلى من هو فوقه لينظرها.
عن ميمون بن مهران أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يشكو شدة الحكم والجباية (وكان قاضي الجزيرة وعلى خراجها). قال: فكتب إليه عمر: "إني لم أكلفك ما يُعنتك، أجب الطيب، واقض بما استبان لك من الحق. فإذا التبس عليك أمر فارفعه إليّ. فلو أن الناس إذا ثقل عليهم أمرٌ تركوه، ما قام دين ولا دنيا".
ومن سياسته في القضاء كتب عمر بن عبد العزيز: "من عبد الله عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين إلى أمراء الأجناد. أما بعد.. فإذا حضرك الخصم الجاهل الخرق ممن قدر الله أن يوليك أمره، وأن تبتلي به فرأيت منه سوء رِعة، وسوء سيرة في الحق عليه، والحظ له، فسدده ما استطعت وبصره وأرفق به وعلمه. فإن اهتدى وأبصر وعلم كانت نعمة من الله وفضلاً. وإن هو لم يبصر ولم يعلم كانت حجة اتخذت بها عليه. فإن رأيت أنه أتى ذنباً استحل فيه عقوبة فلا تعاقبه بغضب من نفسك، ولكن عاقبه وأنت تتحرى الحق على قدر ذنبه بالغاً ما بلغ، وإن لم يبلغ ذلك إلا قدر جلدة واحدة تجلده إياها. وإن ذنبه فوق ذلك، ورأيت عليه من العقوبة قتلاً فما دونه فأرجعه إلى السجن، ولا يسرعن بك إلى عقوبته حضور من يحضرك".
وكان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يعاقب رجلاً حبسه ثلاثة أيام، ثم عاقبه كراهة أن يعجل في أول غضبه.
وعن أبي عقبة أن عمر بن عبد العزيز قال: "ادرؤوا الحدود ما استطعتم في كل شبهة، فإن الوالي إذا أخطأ في العفو خير من أن يتعدى في العقوبة".
سياسته الخارجية
مثلما كان لعمر بن عبد العزيز وقفته في السياسة الداخلية، ليعيد ما اعوج من الأمور إلى نصابه، ويحاول إصلاح ما رآه انحرافًاً عن الجادة سواء في الناحية الإدارية أو المالية أو غيرها، كذلك كانت له وقفة مماثلة في السياسة الخارجية. فقد رأى أن مساحة الدولة قد اتسعت، وأن أطرافها قد ترامت وتباعدت، ولعل كثيراً من المشاكل والأخطاء التي وقع فيها بعض الولاة قد نشأت عن هذا الاتساع الكبير في مساحة الدولة، فكل إقليم كان يضيف إلى مشاكل الدولة عبئًا جديدًا. إلى جانب الأعباء المالية التي كانت تثقل كاهل خزينة الدولة.
فقد خاضت الدولة الأموية حروباً خارجية وداخلية كلّفت ميزانية الدولة الشيء الكثير، منها حملة القسطنطينية زمن سليمان بن عبد الملك، حيث كلفت الكثير من الأموال والشهداء دون جدوى. فما كان من عمر بعد استخلافه إلا أن أرسل كتاباً يأمر فيه مسلمة بن عبد الملك قائد الحملة بالعودة بعد أن أصاب الجيش ضيق شديد.
وقد أدّت سيرة عمر وسياسته إلى استقرار الأوضاع الداخلية، وتوقفت الحروب والفتن.
أيضاً نتج عن إيقاف الحروب والفتن إيجاد مناخ عام من الراحة والطمأنينة والاستقرار؛ ساهم في النمو الاقتصادي للدولة وتحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمحتاجة.
فرأى أنه من الحكمة إيقاف الفتوحات، أو الحد منها على الأقل؛ لأن التوقف عند حدود ما فتح من بلاد وأقاليم، والعمل على حَلِّ مشاكلها، وعرض الإسلام عليها بأسلوب حكيم دقيق، وقدوة حسنة، سوف يكون أجدى من المضي في الفتوحات. بل ربما لا تكون هناك حاجة بعد ذلك إلى فتح جديد؛ لأن الناس سيقبلون على الإسلام من تلقاء أنفسهم؛ لأنهم سيجدون فيه كل ما يرضيهم روحياً ومادياً، وما يحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة.
وقد تحقق ما تصوره في ذلك وزادت حركة الإقبال على الإسلام في البلاد المفتوحة في عهده زيادة كبيرة. وأخذ عمر في إرسال الدعاة من خِيرَة العلماء ليدعوا الناس إلى الإسلام، بدلاً من إرسال الجيوش للفتح.
كما بدأ يرسل الكتب إلى الملوك والأمراء المعاصرين يدعوهم إلى الإسلام فأرسل إلى أمراء ما وراء النهر، وإلى ملوك السند، يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يملكهم على بلادهم، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فلما وصلتهم رسائله وكانت قد بلغتهم سيرته وعدله، فقبلوا وأسلموا، وتسموا بأسماء عربية.. كما أرسل إلى إمبراطور الدولة البيزنطية يدعوه إلى الإسلام.
ولقد تمتَّع الخليفة عمر بن عبد العزيز بسمعة طيبة، تجاوزت حدود الدولة الإسلامية، فتروي المصادر التاريخية أنه حينما وصل الوفد الذين أرسلهم عمر إلى إمبراطور الروم لدعوته إلى الإسلام جاءت الأخبار إلى الإمبراطور من عيونه بوفاة عمر، فأرسل يستدعي رئيس الوفد، فلما مَثُلَ بين يديه سأله الإمبراطور: "أتدري لم بعثت إليك؟، قال: لا. فقال: إن صاحب مسلحتي كتب إليَّ أن الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز مات، قال: فبكيت واشتد بكائي، وارتفع صوتي، فقال لي: ما يبكيك؟، ألنفسِك تبكي أم له أم لأهل دينك؟. فقال: لكلٍّ أبكي. قال: فابكِ لنفسك، ولأهل دينك، أما عمر فلا تبكِ عليه، فإن الله لم يكن ليجمع عليه خوف الدنيا وخوف الآخرة. ثم قال: ما عجبت لهذا الراهب الذي تعبَّدَ في صومعته وترك الدنيا، ولكن عجبت لمن أتته الدنيا منقادة، حتى صارت في يده ثم تخلى عنها".
ثم يضيف الإمبراطور: "ولقد بلغني من بِرِّه وفضله وصدقه ما لو كان أحد بعد عيسى يحيي الموتى، لظننت أنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره باطناً وظاهراً، فلا أجد أمره مع ربه إلا واحداً، بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه".
وفاة الخليفة عمر بن عبد العزيز
لم تطل حياة عمر بن عبد العزيز طويلاً فقد اختطفته يد المَنُون ولم يتجاوز الأربعين من عمره، ويبدو أن انهماكه في أمور المسلمين ومتابعة السهر والعمل في شؤون الدولة، وعدم اهتمامه بأمر طعامه وشرابه، قد أثَّر على صحته فلم يعد جسمه يقوى على المقاومة والاحتمال.
وأما ما يرويه بعض المؤرخين من أن بعض بني أمية دَسَّ له السم فهذا أمر لم يقمْ عليه دليل، ويبدو أن هذا لم يكن سوى شائعة من تلك الشائعات التي رَوَّجَ لها أعداء بني أمية، فقد اتهموا معاوية بأنه دس السم للحسن بن علي وللأشتر النخعي، ولعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وأن سليمان بن عبد الملك صنع هذا أيضاً مع أبي هاشم بن محمد بن الحنفية.
وتوفي عمر بن عبد العزيز في شهر رجب سنة 101هـ، وكانت وفاته بدير سمعان من أعمال حمص، وتولى الخلافة بعده ابن عمه يزيد بن عبد الملك.
الخلاصة
خلاصة القول :عمل الخليفة عمر أولاً في بناء نفسه على أسس شرعية سليمة.. وبهذه الأسس انطلق في عمليات بناء مجتمعه..
وأكثر ما انطبع في سيرة عمر هو العدل في نظام الحكم وتطبيق كل معانيه على الرعية.
فنتج ذلك المجتمع الآمن الصالح والمستقر والغني روحياً ومادياً.. بل إن الأمة الإسلامية توسعت كثيراً دون فتوحات تذكر؛ وذلك بسبب تأثير سيرة هذا الخليفة في نفوس أبناء الأمم الأخرى.
ومقارنة حال مجتمعاتنا اليوم بحال المجتمع الإسلامي في عهد عمر بن عبد العزيز نجد أن التناقض بين الحالتين ناتج عن تناقض بين سلوك ذلك الخليفة وسلوكيات حكام زماننا..
بمعنى أن جزءاً كبيراً من علاج أوجاع الأمة يعتمد على الأسس التي نشأ عليها عمر بن عبد العزيز، والقواعد التي أرساها لنظام حكمه، والمبادئ التي طبقها في حياته السياسية والاجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق