الاثنين، 22 أكتوبر 2012

حكم انتقاد الحاكم بالأسلام !!

بعد هذا الربيع العربي الذي تولد عنه الربيع الاسلامي الكريم في انتظار الربيع السني الجليل تغيرت كثير من المفاهيم وولى زمان الديكتاتوريات في العالم العربي والإسلامي والحمد لله رب العالمين وصار الكلام على الديكتاتوريين بين عامة الناس أمرا عاديا بين الناس إلا أن هناك طوائف من خاصة المسلمين ، كثير منهم طلبة علم وفيهم خير كثير ، لا يزالون في تهيب من قضية الرد على انحرافات السلاطين وظلمهم للرعية ويستدلون على ذلك ببعض الأحاديث الضعيفة التي تأمر بالنصح للأمراء سرا وأن الانتقاد أمام لملأ فضيحة كما يقولون ، وأنا في هذه العجالة أريد أن أبين أن انتقاد الولاة على رؤوس الأشهاد طريقة معروفة عند السلف الكرام لم ينكرها عليهم أحد منهم واستنادهم في ذلك على قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان ) .
1 ـ جاء في سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله 2/408 : ( عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لما ولي عمر قيل له: لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك . قال : وماذاك ؟ قال :
 يزعمون أنك فظ غليظ . قال الحمد الذي ملأ قلبي لهم رحما وملأ قلوبهم لي رعبا ) . فلم يقل لهم : لا يجوز لكم أن تنتقدوا ولي الأمر عمر أو تتكلمو فيه بسوء .
2 ـ روى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان ـ باب بَيَانِ كَوْنِ النَّهْىِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الإِيمَانِ وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ. عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ :
 أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاَةِ مَرْوَانُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ : الصَّلاَةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ ـ الخدري رضي الله عنه ـ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ». ففي هذا الحديث دليل على جواز الإنكار على الولاة ولو في ملأ من الناس لأن اليوم الذي أنكر فيه الرجلُ على مروان بن الحكم الأموي كان يوم عيد وفي صلاة العيد حيث يشهدها الألوف من الناس وبحضور الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي فهم الفهم الصحيح لحديث : ( من رأى منكم منكرا فليغيره ..) وأنه يشمل الحاكم والمحكوم وأنه لا يشترط في النصيحة أن تكون سرا لأنه لم يُنكر على الرجل قيامه إلى مروان أمام الناس مما يدل على أن هذا أمر معروف عند السلف : أن ينصح الحاكم وينتقده ولو في ملأ من الناس .
ثم ساق الإمام مسلم رحمه الله بسنده ـ رقم : 50 ـ ما ئؤكد هذا الذي فهمه أبو سعيد الخدري ألا وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «
 مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ». وهو حديث يدل على جهاد الحكام باليد واللسان ولو أمام الملأ ومن أقوى الأدلة على هذا أن عبد الله بن عمر لما سمع أبارافع يحدث عن عبد الله بن مسعود بهذا الحديث أنكره عليه لما يعلمه عبد الله بن عمر أن الحكام لا يجوز انتقادهم ـ كما هو مذهبه ـ قال مسلم رحمه الله بعد ذكر الرواية : قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَحَدَّثْتُهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَىَّ فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَنَزَلَ بِقَنَاةَ فَاسْتَتْبَعَنِى إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُهُ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ.
3 ـ وروى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ ، في كتاب البيوع ، باب بيع الذهب بالفضة تبرا أو عينا ، برقم : 1960 عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا 
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا ، ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا تَبِيعَ ذَلِكَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ . أخرجه النسائي 4572 واحمد 6/448 برقم : 28081 والبيهقي 10494.
في هذه القصة ينكر أبو الدرداء على معاوية رضي الله عنه وهو الأمير على الشام من قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان كما في الطبقات الكبرى لابن سعد 7/406 ينكر عليه مسألة تعامله بالربا ـ متأولاـ في جمع من الناس بدليل تحوُّل الخطاب في قوله : ( 
من يعذرني من معاوية ؟ ) مع قوله : ( لا أساكنك بأرض أنت فيها ) وخرج فعلا من الشام وقدم على عمر وأخبره الخبر .
أبو الدرداء أنكر على معاوية في ملأ من الناس أمرا له فيه تأويل وشبهة فكيف بمن بعمل المنكرات الظاهرة ويشيعها في الأمة ، تلك المنكرات التي لا يختلف على نكارتها إنس ولا جان ؟
4 ـ وفي الصحيحين عن جابر بنِ سُمْرَةَ رضي الله عنهما ، قَالَ :
 شَكَا أهْلُ الكُوفَةِ سَعْداً يعني : ابنَ أَبي وقاص - رضي الله عنه - ، إِلَى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فَعَزَلَهُ ، واسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّاراً ، فَشَكَوا حَتَّى ذَكَرُوا أنَّهُ لا يُحْسِنُ يُصَلِّي ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا إسْحَاقَ ، إنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعَمُونَ أنَّكَ لا تُحْسِنُ تُصَلِّي ، فَقَالَ : أَمَّا أنا واللهِ فَإنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا أُخْرِمُ عَنْها ... ) الحديث أخرجه : البخاري 1/192 (755) ، ومسلم 2/38 (453) (158) وليس في هذه القصة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهاهم عن الشكوى من الأمير وهو من هو ؟ سعد بن أبي وقاص ، خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المبشرين بالجنة وزعيم القادسية رضي الله عنه وأرضاه ، ولو جاز منع انتقاد الحكام والأمراء ـ فضلا عن أن يكونوا ظلمة ـ لجاز ذلك لعمر بن الخطاب لأن يمنع أهل الكوفة من انتقاد سعد المبشر بالجنة ، فكيف يُمنع انتقاد الولاة الظلمة الذين لا يحكمون بالقرآن والسنة ؟ ولاشك أن هذه الشكاوى والانتقادات قد فشت بينهم في الكوفة حتى أرسلوها لعمر بن الخطاب ، فلم ينههم عن انتقاده برغم أنه غير متهم كما قال عمر ـ نفسُه ـ يوم عيَّن ستة نفر للخلافة ومنهم سعد وقال : ( فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة ) رواه البخاري 3497 وغيره . ومع ذلك كله عزله ولم ينه أهل الكوفة عن انتقاد الولاة .
5 ـ بل إن عمر بن الخطاب نفسه قامت إليه امرأة تنكر عليه وهو يخطب ولم ينكر عليها ، ولم يقل لها : إن النصيحة للحاكم لا تكون إلا سرا ،قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره 99/5 : ( خطب عمر رضي الله عنه فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله،صلى الله عليه وسلم، ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية.
فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتحرمنا ! أليس الله سبحانه وتعالى يقول: (وآتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) ؟ فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر. وفي رواية فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر !. وفي أخرى: امرأة أصابت ورجل أخطأ.وترك الانكار. ) إهـ بلفظه .
6 ـ جاء في سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله تعالى : 456/4 ط دار الحديث المصرية في ترجمة
حجر بن عدي : قال الذهبي رحمه الله : ( حجر الخير... أبو عبد الرحمن الشهيد ، له صحبة ووفادة...وكان شريفا، أميرا مطاعا، أمارا بالمعروف، مقدما على الانكار، من شيعة علي رضي الله عنهما.شهد صفين أميرا، وكان ذا صلاح وتعبد.) ثم قال الذهبي : ( قيل: كذَّب زياد بن أبيه متولي العراق وهو يخطب، وحصبه مرة أخرى، فكتب فيه إلى معاوية.فعسكر حجر في ثلاثة آلاف بالسلاح، وخرج عن الكوفة، ثم بداله، وقعد، فخاف زياد من ثورته ثانيا.فبعث به في جماعة إلى معاوية. ) ثم ذكر الذهبي ما جرى بينه وبين والي معاوية زياد بن أبيه لما تولى العراق فقال : ( شهد القادسية.وهو الذي افتتح مرج عذراء، وكان عطاؤه في ألفين وخمس مئة.ولما قدم زياد واليا، دعا به، فقال: تعلم أني أعرفك، وقد كنت أنا وأنت على ما علمت من حب علي، وإنه قد جاء غير ذلك، فأنشدك الله أن يقطر لي من دمك قطرة، فأستفرغه كله، أملك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، وحوائجك مقضية لدي، فاكفني نفسك، فإني أعرف عجلتك، فأنشدك الله يا أبا عبدالرحمن في نفسك ) . فهذا الصحابي الجليل حجر بن عدي رضي الله عنه ( قال الإمام بن العربي المالكي في : ( العواصم من القواصم ) ص 326ط عمار الطالبي ) : ( هو من الصحابة مشهور بالخير ) الشهيد كما يقول الذهبي : ( أمّارا بالمعروف، مقدما على الانكار ) يكذب الأمير وهو يخطب على المنبر بل ويحصبه أي يرميه بالحجارة والحصى ولما ضاق منه ابن زياد ذرعا أمره أن يكف لسانه عنه فأبى فكانت نهايته أن تحققت فيه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم : «سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد االمطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله». ولم تنكر عليه عائشة رضي الله عنها ما كان يقوم به من الإنكار العلني على والي معاوية على العراق بل أرسلت لمعاوية رسالة تشفع له عنده لكنها جاءت متأخرة كما قال الذهبي رحمه الله : ( وقدم ابن هشام برسالة عائشة، وقد قتلوا، فقال: يا أمير المؤمنين أين عزب عنك حلم أبي سفيان ؟ قال: غيبة مثلك عني، يعني أنه ندم ) مما يدل على أن ما قام به الصحابي الجليل عدي من انتقاد الولاة علنا أمام الناس ليس مخالفا للسنة النبوية ، بل هو ما تعارف عليهالصحابة رضي الله عنهم. بل إن ابن عمر الذي اشتهر عنه عدم انتقاد الولاة تألم لقتله : قال الذهبي : ( روى ابن عون: عن نافع، قال: كان ابن عمر في السوق، فنعي إليه حجر، فأطلق حبوته، وقام، وقد غلب عليه النحيب ) رواه أحمد كما في " البداية والنهاية " 8 / 55 من طريق ابن علية بهذا الاسناد، قال الأرناؤوط : وهو صحيح.
7 ـ وذكر الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في ( سير أعلام النبلاء 274-275/4 : ( عن عروة أن المسور بن مخرمة أخبره أنه وفد على معاوية، فقضى حاجته، ثم خلا به، فقال: يا مسور ! 
ما فعل طعنك على الائمة ؟ قال: دعنا من هذا وأحسن.
قال: لا والله، لتكلمني بذات نفسك تعيب علي.
قال مسور: فلم أترك شيئا أعيبه عليه إلا بينت له.
فقال: لا أبرأ من الذنب.
فهل تعد لنا يا مسور مانلي من الاصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم تعد الذنوب، وتترك الاحسان ؟ قال ما تذكر إلا الذنوب.
قال معاوية: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلك إن لم تغفر ؟ قال: نعم.
قال: فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني، فوالله ما ألي من الاصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين بين الله وبين غيره، إلا اخترت الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات، ويجزى فيه بالذنوب إلا أن يعفو الله عنها.
قال: فخصمني.
قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه ) . والمسور بن مخرمة رضي الله عنه من خيار الصحابة وهذه القصة مشهورة كما قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية : ( والحكاية المشهورة عن المسور بن مخرمة أنه خلا بمعاوية ...) إهـ من المنتقى من منهاج الاعتدال ص 262 . فانظر إلى منهج المسور في الطعن على الولاة فيما خالفوا فيه الصواب أو فيما وقعوا فيه بالمناكر ولم ينهض عنده أن ذلك من منهج الخوارج أو شيئا من هذا القبيل الذي نسمعه اليوم من بعض الإخوة برغم من أن زمن الديكتاتتورية قد ولى إلى غير رجعة والحمد لله .
8 ـ وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : باب : لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا وساق بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن في إمارته وقال (
 إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله وايم الله إن كان لخليقا للإمرة وإن كان لمن أحب الناس الي و إن هذا لمن أحب الناس إلي بعده ) . فلم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الطعن في الأمير وانتقاده وإنما دافع عنه بما يعلمه من حاله ،ولم يقل لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لا تطعنوا في الأمير .
9 ـ ومن الأدلة الواضحة أيضا على أن انتقاد الولاة على رؤوس الأشهاد كان منهجا معروفا عند السلف ماذكره الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في فتح الباري 159/13 ح 7151 قال : ( أخرج الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن قال لما قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن مغفل المزني ( قال الجيلالي الدكالي : هو من اهل بيعة الرضوان ) فدخل عليه ذات يوم فقال له انته عما أراك تصنع ، فقال له وما أنت وذاك ـ أي : وما شأنك أنتَ يا ابن مغفل ؟ ـ قال ثم خرج إلى المسجد فقلنا له ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على
 رؤوس الناس فقال انه كان عندي علم فأحببت أن لا اموت حتى أقول به على رؤوس الناس ثم قام فما لبث ان مرض مرضه الذي توفي فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده ) .

10 ـ وأخيرا قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه : مختصر منهاج القاصدين ) ص 106 وهو يتكلم على الإنكار العلني على الولاة : ( وإن لم يخف إلا على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء ) .
الخلاصة أن المتتبع لسير السلف سيجد الكثير من مثل هذه المواقف التي تدل على أنهم لم يشترطوا في النصح والإنكار أن يكون دائما في السر كما يشترطه كثير من الناس اليوم مع العلم أن الفرق ساشع بين أولئك الحكام وهؤلاء الجاثمين على صدور الشعوب من الديكتاتوريين .
والحمد لله رب العالمين.والله يحفظ لنا الاسرة الحاكمه ويهديهم الي الحكمة والعدل ....... اخوكم /طلال السويدان 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق