السبت، 25 أغسطس 2012

المؤأمرة الكبرة مؤتمر كامبل بنرمان


منذ ما يقارب الأربعين عاماً قبل استقلالنا، وبالضبط في عام 1905، عُقد
مؤتمر في لندن بصورة رسمية وسريّة، دعا اليه حزب المحافظين، واستمرت
جلساته حتى عام 1907.
قدّم المؤتمر توصيات الى حكومة الأحرار (بعد سقوط حكومة المحافظين عام
1905 برئاسة أرثر بلفور)، برئاسة السير هنري كامبل بونرمان Sir H.Compbell
Bonnerman، لإقناع رئيس الوزراء الجديد بالعمل لتشكيل جبهة استعمارية
لمواجهة التوسع الاستعماري الألماني، ولتحقيق بعض الأهداف التوسعية في
آسيا وأفريقيا.
وبالفعل تأسست هذه اللجنة العليا، واجتمعت في لندن عام 1907، وكانت تضم
ممثلين عن الدول الاستعمارية الأوروبية وهي: انكلترا، فرنسا، إيطاليا،
إسبانيا، البرتغال، بلجيكا وهولندا، الى جانب كبار علماء التاريخ
والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول.
يقول د.حسان حلاق، مؤلف كتاب «موقف الدولة العثمانية من الحركة
الصهيونية»، الذي نشره منذ ثلاثين عاماً (1978) والذي يذكر تفاصيل هذا
المؤتمر: «إن المؤتمر استعرض الأخطار التي يمكن ان تنطلق من تلك
المستعمرات، فاستبعد قيام مثل تلك الأخطار في كل من الهند والشرق الأقصى
وإفريقيا والمحيط الأطلسي والهادئ، نظراً لانشغالها بالمشاكل الدينية
والعنصرية والطائفية، وبالتالي بُعدها عن العالم المتمدّن».
أليس هذا بالضبط ما يحصل في العراق الشقيق، منذ احتله الأميركان
«الديموقراطيون!» في عام 2003؟. ألا نشاهد العراك والتناحر، لا بل المذابح
بين السنّة والشيعة، والمسلمين والمسيحيين، والعرب والكرد؟ أليس هذا ما
كاد يحصل في بلادنا لولا تدارك العقلاء؟ أليس هذا ما حصل في سوريا منذ
سنين؟ إذاً الأمثولة الأولى من احتفالنا باستقلالنا، هي تمسّكنا بالوحدة
الوطنية، ونبذ الفتن الطائفية والمذهبية.
نعود الى المؤتمر - والحكاية لم تنته - فيؤكّد «ان مصدر الخطر الحقيقي على
الدول الاستعمارية، إنما يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية،
لاسيما بعد ان أظهرت شعوبها يقظة سياسية، ووعياً قومياً ضد التدخل الأجنبي
والهجرة اليهودية والحكم التركي أيضاً... ويتابع المؤتمر، ليضيف، ان خطورة
الشعب العربي تأتي من عوامل عدّة يملكها: وحدة التاريخ واللغة والثقافة
والهدف والآمال وتزايد السكان... ولم ينس المؤتمر أيضاً، عوامل التقدم
العلمي والفني والثقافي.
ما العمل إذاً، لدرء خطر العرب؟ هنا يدعو المؤتمر الى العمل على استمرار
وضع منطقتنا العربية متأخراً، وعلى إيجاد التفكك والتجزئة والانقسام،
وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. أليس واقعنا
العربي تطبيقاً لهذه التوصيات؟ كما أوصى بمحاربة اتحاد الجماهير العربية
او ارتباطها بأي نوع من أنواع الاتحاد الفكري او الروحي او التاريخي...
ولذا أكدوا فصل الجزء الافريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي،
وضرورة إقامة «الدولة العازلة» Buffer State، عدوّة لشعب المنطقة وصديقة
للدول الأوروبية. وهكذا قامت اسرائيل (حلاق ص 221 - 223).
وليسمح لي قارئي الكريم، أن أُضيف له ملاحظة، لواحد من القوميين العرب،
المتمسكين بعروبتهم وبإسلامهم، وهو الأستاذ ممدوح رحمون، تفيدنا في مجال
الحديث عن الاستقلال. يقول رحمون، في معرض مذكّراته التي نشرها بعنوان:
«محطات على درب الحياة» (دار النفائس، 2005)، متحدثاً عن المؤتمر نفسه وعن
مخاطر الشعوب العربية - بحسب المستعمرين -: «وهي اذا تنبّهت، تطلّعت
للاستقلال، واذا استقلّت تكتّلت، والاستقلال والاتحاد، قضاء على النفوذ
الأجنبي» (ص 77).
فهل ما رغبه المستعمرون تحقق؟ نعم، والى حدّ بعيد مع الأسف. إن استقلالنا
ليس ناجزاً، واتحادنا في الداخل، كما مع باقي الدول العربية، هو مجرد
أماني. أما القضاء على النفوذ الأجنبي، فمحال علينا الآن، لا بل الأجانب
هم الذين يفرضون سياساتهم علينا. وأعداء الأمس الذين ذكرناهم في مطلع
كلمتنا، هم أعداء اليوم، تُضاف اليهم سيدتهم وأداة الشيطان، أميركا بوش
الآفلة.
فإذا أردنا ألاّ نغرق في اليأس، وأن نخرج من الظلمة الداكنة الى نور الغد
المشرق، فلنعمل معاً من أجل فهم واقعنا وتاريخنا ومعرفة أعدائنا - وهم كثر
داخلاً وخارجاً - ولنعمل من أجل ترسيخ استقلالنا وتوطيده وإنجازه، برفض
التجزئة والتفكك والتناحر، وبالدعوة للوحدة والسلام والعزّة والسيادة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق