السبت، 5 يناير 2013

الســــــــجن في الأســــــلام




عقوبة السجن كما هو مسلم قد يعاقب بها الصبي والكبير والرجل والمرأة، فإذا قدر لهؤلاء أن يعاقبوا بالسجن فهل يجمع هؤلاء في سجن واحد أم يفرق بينهم؟

كذلك إذا كانت القاعدة في الحبس أنه جماعي فإنه لا يجوز التسوية بين المساجين مساواة عمياء مجردة، بل يجب أن تراعى في معاملة كل محكوم عليه أو موقوف ظروفه الشخصية من حيث السن والجنس والسوابق والموجب لدخول السجن.

ولذلك يجب تقسيم المسجونين إلى طوائف مختلفة يكون لكل طائفة نظام خاص في المعاملة يتناسب مع ظروفها ويكون التقسيم كالتالي:
أولاً: تقسيم من حيث الجريمة وطبيعتها.
ثانياً: تقسيم من حيث المجرم.

السبب في ذلك التقسيم:
أن كل من له إلمام بالشريعة الإسلامية يعرف بأن الشريعة تمنع من الفساد ومن كل ما يؤدي إليه، وقد أفاض الفقهاء في باب مقدمة الواجب والمحرم، وفي باب سد الذرائع، وذكروا أن كل ما يؤدي إلى المحرم فهو محرم، ومن هذا نقول أنه إذا ثبت أن الجمع بين الصبي والكبير، والرجل والمرأة يؤدي إلى الفساد المحرم فلا نزاع في حرمته، وإذا كان الأمر كذلك فمن المحتم شرعاً أن يفرد لكل صنف

من هؤلاء أعني النساء والرجال والصبيان محلاً خاصاً يحبسون فيه لئلا يؤدي الأمر إلى الفساد وإلى محاذير كثيرة يستلزمها ذلك الجمع.

التقسيم الأول: من حيث الجريمة وطبيعتها:
إن الحبس قد يضم بين جنباته عدداً كبيراً من الناس على اختلاف جرائمهم والأسباب التي دعت بهم إلى دخول السجن، فمنهم من يكون سبب دخوله امتناعه عن أداء الدين الذي عليه، ومنهم من يكون سببه لصوصيته وكثرة سرقته أموال الناس، ومنهم من يكون سببه أنه يحيك المؤامرات، ويسبب المظاهرات، ومنهم من سببه انحرافه في عقيدته وأخلاقه، ومنهم من سببه مضاربته مع أحد من الناس، ومنهم من سببه إرهاب الناس وتخويفهم بالخطف والنشل إلى غير ذلك من أنواع الجرائم التي لا تعد ولا تحصى.

ولا شك أنها تختلف في خطورتها وضررها على المجتمع، لذلك ينبغي أن تقسم السجون إلى أقسام حسب الجريمة وخطورتها، فيكون هنالك:
1- قسم للممتنعين عن أداء الدين والجرائم العادية.
2- قسم للصوص ومحترفي جريمة الاختطاف.
3- قسم للسجناء السياسيين ومحاولي تدبير المؤامرات وقلب أنظمة الحكم المستقيمة.

وهكذا بحيث لا يجتمع كل هؤلاء وغيرهم فيفسد بعضهم بعضاً ويتعلم المجرم المبتدئ من المجرم المحترف المعتاد على الإجرام فينتج عن ذلك خطر عظيم، وفساد كبير، لا يعلمه إلا الله، نسأل الله العافية.

شواهد هذا التقسيم:
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حذر من الاجتماع بالأشرار، وبيَّن أهمية الجليس من حيث الفائدة والضرر، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة» رواه البخاري ومسلم[1].

وكذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل وهو يعظه: لا تتكلم فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحذر من صديقك الأمين، إلا من يخشى الله ويطيعه، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور في أمر إلا الذين يخشون الله.

وكذلك ما روي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله أنه كتب إلى أحد أمرائه يقول: "إذا حبست قوماً في دين فلا تجمع بينهم وبين أهل الدعارات في بيت واحد ولا حبس واحد"[2].

وقال ابن عابدين في الممتنع عن أداء الدين: (ولا يغل إلا إذا خاف فراره فيقيد أو يحول لسجن اللصوص) [3].

وهذا دليل واضح على أن هناك سجناً خاصاً باللصوص يفردون به عن باقي أقسام المسجونين.

ثم إن المصلحة العامة تقتضي تفريق هؤلاء العصاة والمجرمين لئلا ينتقل الجرم ويسري من الواحد إلى العشرة وهكذا.

التقسيم الثاني: من حيث المجرم:
وهذا التقسيم يكون من حيث السن والجنس فيقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- قسم خاص بالرجال.
2- قسم خاص بالنساء.
3- قسم خاص بالصبيان.

شواهد هذا التقسيم:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرق بين حبس الرجال وحبس النساء، فقد ورد في كتب السيرة من خبر إسلام عدي بن حاتم أنه خرج فاراً إلى الشام لما سمع بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وطئ بلادهم، فخرج تتبعه خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابت بنت حاتم فيمن أصابته فقدم بها في صبايا من طيء وقد بلغ رسول الله أنه هرب إلى الشام فجعلت بنت حاتم حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن فيها، والحظيرة هي ما أحاط بالشيء[4].

وكذلك قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل عن الخلوة بالنساء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم» متفق عليه[5].

وقال في الفتاوى الهندية: (وينبغي أن يكون للنساء محبس على حدة تحرزاً عن الفتنة) [6].

وقال ابن نجيم: (ويجعل للنساء سجن على حدة نفياً لوقوع الفتن) [7].

كما أنه يجب الفصل بين شباب المجرمين وصبيانهم وبين الكبار لأنه إذا ترك باب الاختلاط بينهما مفتوحاً على مصراعيه فإنه يترتب عليه أن يصبح هؤلاء الشباب المحبوسون تلاميذاً لكبار المجرمين الذين يختلطون بهم في السجن، ثم أن كثرة مخالطة الأمرد والاختلاء به والتحدث إليه فيه ما فيه من الفتن التي ورد النهي لأجلها.

فقد روي عن الشعبي أنه قال: قدم وفد عبدالقيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهره وقال "كانت خطيئة داود عليه السلام النظر"[8].

وكان مالك بن أنس يمنع دخول المرد مجلسه للسماع وكان أحمد بن حنبل رحمه الله ينهى عن مصاحبة الأمرد ولو كان قريباً[9].

فينبغي إذاً أن يفرد الصبيان عن الرجال في سجن خاص بهم دفعاً للفتنة والفساد والمحاذير الكثيرة، فإن بقاء أهل السجن مجتمعين ليلاً ونهاراً حال الأكل وحال النوم وحال الحديث كل هذا يدعو إلى أن يقضوا على الوقت بالتحدث والمزاح والمداعبات مما ينشأ عنه تحرك الشهوات ثم فعل المحرمات كذلك فإن الصبي المسكين الذي لم يعرف هذه الأشياء ولم يألفها إلا أنه قد يذوب مع الزمن تحت ترغيب الكبار له أو تهديدهم إياه.

إلا أنه بتفريق المسجونين حسب الجريمة والسن والجنس فإنه يقطع دابر الفساد ويمنع التأثر والتأثير بينهم. وإن لم يكن فإنه لا شك يخفف من هذه البلايا والمحذورات.

كما ينبغي أن يكون السجن مشتملاً على المرافق الهامة والأساسية من مطبخ وأماكن لقضاء الحاجة، ومكان لأداء الصلاة وقاعة لإلقاء الدروس والمحاضرات عليهم من قبل العلماء والمصلحين حتى يتمتع السجناء بكامل حقوقهم في الأمور الضرورية، ولكي يكون السجن كما أنه مكان للعقاب، فإنه يستغل في تهذيب الأخلاق وإصلاحها، وفي إرشاد المسجونين إلى ما هو نافع، وقد أمر الله به وحث عليه ورتب عليه الأجر والمثوبةِ، وإلى ما هو ضار، وقد نهى الله عنه وحذر منه ورتب عليه الجزاء والعقوبة، لعل الله أن يهديهم إلى ما فيه الخير والصلاح.

كما ينبغي أن يوكل أمر الإشراف على سجن الرجال إلى رجل ويوكل أمر الإشراف على سجن النساء إلى امرأة، وينبغي أن يكون القائم على أمر السجون متحلياً بالصلاح والفطنة والأمانة.

فقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أحد أمرائه يقول: (وانظر من تجعل على حبسك ممن تثق به، ومن لا يرتشي فإن من ارتشى ضيع ما أمر به...) [10].

وكتب الفقيه أبو يوسف يخاطب هارون الرشيد في شأن السجون: (ولِّ ذلك رجلاً من أهل الخير والصلاح) [11].
فوائد الحبس وعيوبه:
أولاً: فوائده:
إن للحبس فوائد كثيرة تعود على المجتمع وعلى الأفراد منها:
1-  أن فيه أمن للبلاد ومصلحة للعباد:

فإن إيقاف المجرم وحبسه يمنع شره عن الناس فلا يصل إليهم.


يقول الشوكاني: (إن الحبس وقع في زمن النبوة، وفي أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الآن، في جميع الأعصار والأمصار، من دون إنكار، وفيه من المصالح ما لا يخفى، لو لم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم، الذين يسعون في الإضرار بالمسلمين ويعتادون ذلك، ويعرف من أخلاقهم ولم يرتكبوا ما يوجب حداً ولا قصاصاً حتى يقام عليهم فيراح منهم العباد و البلاد، فهؤلاء إن تركوا وخلي بينهم وبين المسلمين بلغوا من الإضرار بهم إلى كل غاية وإن كان سفك دمائهم بدون حقها فلم يبق إلا حفظهم في السجن والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك حتى تصح منهم التوبة أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره، وقد أمرنا الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بهما في حق من كان كذلك لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس)[12].

2- تهذيب المجرم وإصلاحه:
فإن الحبس إذا أعتني بمن فيه من السجناء وجعل مدرسة للإصلاح وذلك بإلقاء الدروس والمحاضرات من قبل علماء أجلاء يصلون بحديثهم إلى قلوب المسجونين ويرشدونهم إلى الأفضل في جميع شئون الحياة، ويجيبون عن تساؤلاتهم، إذا حصل كل ذلك، فإن الحبس سيكون مكاناً للتهذيب والإصلاح إضافة إلى كونه مكاناً للعقوبة والتعذيب.

وكذلك فإن مكث السجين في السجن يجعله يطيل التفكير والتأمل في المصالح التي ستذهب عليه بسب إجرامه ودخوله السجن مما يدعوه إلى التوبة وعقد العزم على عدم العودة لمثل ما بدر منه، فإن كل هذا يعتبر من فوائد الحبس المرجوة.

3- فيه التثبت قبل إيقاع العقوبة بالمجرم:
فإن المجرم إذا أمسك ووضع في الحبس يجعل للوالي الفرصة في التثبت من اقتراف المجرم لهذه الجريمة وإدانته بها، فإن الوالي قد يعاقب المجرم حال غضبه قبل التثبت، ويتضح في النهاية براءته من الجريمة التي نسبت إليه، فقد روي أن مروان بن الحكم لما استخلف ابنه على بعض المواضع أوصاه ألا يعاقب في حين الغضب، وحضه على أن يسجن حتى يسكن غضبه، ثم يروي رأيه وكان يقول إن أول من اتخذ السجن كان حليماً ولم يرد مروان طول السجن، وإنما أراد السجن الخفيف حتى يسكن غضبه[13].

مساوئ الحبس:
درجت أكثر الدول والبلدان في عصرنا الحاضر على إيقاع عقوبة السجن على جميع المجرمين على اختلاف جرائمهم، فلم تفرق بين جريمة كبرى وجريمة صغرى، ولا بين نوع من الجرائم وغيره، فالقاتل يسجن، والسارق يسجن، والمرتشي يسجن، والمعتدي على حقوق الآخرين يسجن، إلى غير ذلك من الجرائم، فالعقوبة في جميعها السجن لا غير، فنتج عن ذلك أن اكتظت السجون بالمجرمين وضاقت بهم، ونتج عن ذلك المساوئ التالية:
1- إرهاق خزانة الدولة وتعطيل الإنتاج:
حيث يوضع المحكوم عليهم بعقوبة السجن على اختلاف أنواعها ويكونون في الغالب من الأشخاص الأصحاء القادرين على العمل فوضعهم في السجون هو تعطيل لقدرتهم على العمل، وتضييع لمجهود كبير كان من الممكن أن يبذلوه فيستفيد منه المجتمع لو عوقبوا بعقوبة أخرى غير الحبس تكفي لتأديبهم وردع غيرهم، ولا شك أن هناك من العقوبات ما يمكن أن يؤدي وظيفة الزجر والردع ويكون له أثره في محاربة الجريمة دون أن يؤدي إلى تعطيل مجهود المحكوم عليه.

كذلك فإن الدولة يجب عليها أن تقوم بشئون المسجونين وتوفر لهم المأكل والمشرب والملبس.

قال أبو يوسف: (ولم تزل الخلفاء يا أمير المؤمنين تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم وأدمهم، وكسوتهم الشتاء والصيف، وأول من فعل ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالعراق، ثم فعله معاوية رضي الله عنه بالشام، ثم فعل ذلك الخلفاء من بعده) [14].

وقال في الروض: (ونفقته مدة حبسه من بيت المال لعجزه وليدفع ضرره) [15].

وهذا ولا شك يرهق خزانة الدولة ويحملها عبئاً ثقيلاً خصوصاً إذا كثر عدد المسجونين.

2- إفساد المسجونين:
وهو أن السجن غالباً ما يؤدي بالصالح إلى الفساد، ويزيد الفاسد على فساده، فالسجن يجمع بين المجرم الذي ألف الإجرام وتمرس بأساليبه، وبين المجرم المتخصص في نوع من الإجرام، وبين المجرم العادي واجتماع هؤلاء جميعاً في صعيد واحد يؤدي إلى تفشي عدوى الإجرام يلقن المتمرس ما يعلم لمن هم أقل علماً وخبرة والمتخصص لا يبخل بما يعلم عن زملائه ويجد المجرمون الحقيقيون في نفوس زملائهم السذج أرضاً خصبة يحسنون استغلالها دائماً فلا يخرجون من السجن إلا وقد تشبعت نفوسهم إجراماً.

3-انعدام قوة الردع:
إن عقوبة الحبس قد فرضت على أساس أنها عقوبة رادعة، ولكن الواقع قد أثبت أنها لا فائدة منها ولا أثر لها في نفوس المجرمين فالذين يعاقبون بالحبس وبالأشغال الشاقة وهي أقصى أنواع الحبس لا يكادون يخرجون من السجن حتى يعودوا لارتكاب الجرائم ولو كانت العقوبة رادعة لما عادوا لما عوقبوا عليه بهذه السرعة، فقد دلت إحدى الإحصائيات من مصلحة السجون عام 1938م-1939م إلى أن نصف من في السجن لهم سوابق في الإجرام من خمس مرات إلى عشر وأن حوالي الثلث لهم من عشر سوابق إلى خمس عشرة سابقة، وأن أكثر الباقين تتراوح سوابقهم بين خمس عشرة سابقة وأربعين سابقة، فلو أن السجن يردع المجرمين حقيقة لما عادوا للإجرام خمس مرات وعشر مرات وأربعين مرة.

4-  قتل الشعور بالمسئولية:
فإن الكثير من المسجونين يقضون في السجن مدداً طويلة نوعاً ما، ينعمون فيها بالتعطل ويكفون فيها مؤونة أنفسهم من مطعم وملبس وعلاج والمشاهد أن هؤلاء يكرهون أن يلقى بهم خارج السجن ليواجهوا حياة العمل والكد من جديد، وأنهم يموت فيهم كل شعور بالمسئولية نحو أسرهم، بل نحو أنفسهم فلا يكادون يخرجون من السجن حتى يعملوا للعودة إليه لا حباً في الجريمة ولا حرصاً عليها، وإنما حباً في العودة إلى السجن وحرصاً على حياة البطالة.

5-  ازدياد سلطان المجرمين:
من المجرمين من يغادر السجن ليعيش عالة على الجماعة يستغل جريمته السابقة لإخافة الناس وإرهابهم وابتزاز أموالهم، ويعيش على هذا السلطان الموهوم، وهذا المال المحرم دون أن يفكر في حياة العمل الشريف والكسب الحلال، ولقد أصبح سلطان هؤلاء المجرمين على السكان الآمنين يزاحم سلطان الحكومات بل أصبح المجرمون في الواقع أصحاب الكلمة النافذة، والأمر المطاع، وقد أدى هذا المركز الخطير الذي يحتله المجرمون إلى زيادة المجرمين الشباب الذين يتطلعون بدافع طموحهم إلى نوال كل مركز ممتاز، وأدى ذلك إلى قلب الموازين والأوضاع، فبعد أن كانت الجريمة عاراً وذلة في القديم أصبحت اليوم مدعاة للتباهي والتفاخر، وبعد أن كان المجرم يطرد ذليلاً مهاناً، أصبح اليوم عزيز الجانب مسموع الكلمة نافذ السلطان.

6-  انخفاض المستوى الصحي والأخلاقي:
فإن تنفيذ عقوبة السجن يقتضي وضع عدد كبير من الرجال الأصحاء الأقوياء في مكان واحد عدد مختلفين يمنعون فيها من التمتع بحرياتهم ومن الاتصال بزوجاتهم، وإذا زاد عدد المحبوسين فقد يحشروا حشراً في السجن الضيقة إضافة إلى عدم توفر الوسائل الصحية في كثير من السجون، فإن هذا ولا شك يساعد على انتشار الأمراض السرية والجلدية والصدرية وغيرها من الأمراض الخطيرة بين المسجونين.

7-  ازدياد عدد الجرائم:
فإن عقوبة الحبس وضعت أساساً لمحاربة الجريمة ولكن الإحصائيات التي لا تكذب تدل على عدم جدوى السجن في مكافحة الجريمة وأن عدد الجرائم يزداد عاماً بعد عام زيادة تسترعي النظر وتبعث على التفكير الطويل[16].

وأحب التنبيه على أن هذه المساوئ والمفاسد التي تنتج عن تطبيق عقوبة الحبس لا توجد عندنا في البلاد الإسلامية التي تطبق الشريعة الإسلامية في جميع شئونها بما فيها عقوبات الجرائم، لأن الشريعة الإسلامية قد جعلت عقوبات لأغلب الجرائم التي تحدث فجعلت لجريمة القتل أن يقتل القاتل، ولجريمة السرقة أن يقطع السارق وغير ذلك من العقوبات المحددة في الشرع الإسلامي ولم يبق إلا بعض الجرائم التي لم تحدد عقوبتها من الشارع فجعل للوالي أن يحدد العقوبة التي تناسبها من عقوبات التعزير، وهذا مما يجعل عقوبة الحبس لا تطبق إلا في حالات نادرة من الجرائم أو لأجل الاحتياط والاستظهار إضافة إلى ما وضعه الفقهاء من نظام تسير عليه السجون مما يظهر فائدة الحبس ويجعله أداة للإصلاح والتهذيب بدل نشر الجرائم وازديادها، وما قدمناه من عيوب ومفاسد لا توجد إلا في الدول التي تطبق القوانين الوضعية، والتي تجعل الحبس هو العقوبة الوحيدة لجميع الجرائم التي تحدث على اختلافها في العظم والخفة. والله أعلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق